الاثنين، 25 سبتمبر 2017

ذهب الليل ، وطلع الفجر ، والعصفور صوصو .. ( أقصوصة ) ... بقلم الكاتب / حسن عصام الدين طلبة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏19‏ شخصًا‏، و‏‏أشخاص يبتسمون‏، و‏‏أشخاص يقفون‏‏‏‏

ذهب الليل ، وطلع الفجر ، والعصفور صوصو .. ( أقصوصة )
بفرحة وسعادة عارمتين ، أخذ عصام الفتى اليافع الذى قارب سنه العشرين عاماً يسرع فى ارتداء زى التشريفة العسكرى ، ليحضر وزملاء دفعته حفل تخرجهم من الكلية الحربية فى صيف 1973 .. وجال فى خيال الفتى تلك اللحظات الجميلة التى لا تنسى حينما كان يردد وزملائه وزميلاته فى الفصل الابتدائي وهم براعم فى عمر الزهور مرددين مع مدرستهم مقاطع الأغنية التى طالما رددوها وهم يودعون العام الدراسى .. وتذكر صوته ومن معه يقولون :
ذهب الليل وطلع الفجر والعصفور صوصو ..
شاف القطة ، قالها بسبس قالت لو نونو ..
وعاد يتذكر المقطع الأخير من الأغنية والجميع يلتفوا بنظراتهم إليه والابتسامة على وجوههم وهم يقولون :
ندر عليا أجلكم واولع شمعة من شمعة .. لحد الشبر ونص ما يكبر ويروح الجامعة ..
وصلاح يبقى محامى وتوتو قاضى يصالحكو .. وعصام بكرة هايبقى ضابط ويدافع عنكو
يفدى وادى النيل بحياته وحياته منكم ..
وارتسمت الابتسامة على وجهه وهو يتذكر تلك اللحظات الجميلة ، نظرات أصدقاءه عادل وسمير وحاتم ومحمد ومحمود ، والتلميذات مها وسلوى وهناء وسناء ، والآخرين والأخريات والجميع فى سعادة بريئة نادرة .. وهاهو قد تحقق حلمه الذى جاء بالأغنية ، وهاهو يستعد لدوره الجديد فى الحياة كضابط يقاتل من أجل بلاده ليحقق الانتصار على جيش الاحتلال الغادر ..
ومن رفاهية الحياة المدنية إلى شظف الحياة العسكرية الجدباء .. وفى معسكر وحدته المقاتلة بسلاح المدرعات ، راح يعاين شركائه الجدد من الضباط والجنود فى تلك الحياة الجديدة التى يعيشها واقع على الأرض بعد سنين التدريب الأولى فى الكلية العسكرية ..
عاد الضابط الفتى من أجازته الأولى عند غروب الشمس ، وما كادت قدماه تلامس ارض المعسكر حتى جاءه التكليف بحضور المؤتمر العاجل بحضور قادة سرايا الدبابات فى مقر قيادة اللواء نائبا عن قائد سريته الذى كان فى منحة دراسية تدريبية بالقاهرة ..
فى القاعة المتسعة تحت سطح الأرض ، وتحت أضواء مصابيح الوقود الضوئية ، رفعت الخرائط على الجدران ، وأخذ ضابط الأمن والاستطلاع بقيادة اللواء يشرح للحضور فجأة وبدون مقدمات طبيعة أرض سيناء وآخر أخبار انتشار قوات العدو على كل مساحة الأرض هناك ..
استشعر الحاضرون بأن هناك هدف ما لهذا المؤتمر ولأسباب انعقاده بهذه الصورة ودون إخطار سابق بموعده .. وبدأت عقارب الساعة تدور بلا توقف ، والأحداث تتسارع بلا هوادة .... " لن يتحرك ضابط أو جندى من مكانه فى المعسكر إلى خارجه إلا بأوامر .. وتم منع نزول الأفراد لأجازاتهم المعتادة ، كما تم ايقاف كافة بعثات الدراسة فى القاهرة والأقاليم ، وصدرت الأوامر بعودتها فوراً إلى معسكراتها .. من الآن أيها السادة ستنقطع أخباركم عن العالم خارج المعسكر ، وفى ذات الوقت سنتابع جميعا كل الأخبار عما يجرى خارج معسكرنا .. " .. تلك كانت كلمات قائد كتيبة الدبابات فى المعسكر فى 20 سبتمبر وهو اليوم التالى لعودة عصام من أجازته ..
عاد الجميع إلى المعسكر ، وقامت الدنيا ولم تقعد بكافة المعسكرات .. تجهيز المعادات إلى الدرجة القصوى ، إمدادات إضافية من الذخائر والمؤن ، تسليم خرائط لمواقع القتال المحتملة على الجانب الشرقى لقناة السويس .. سيل قوافل العربات الناقلة للعتاد والجنود الإضافية والطارئة تتحرك على طول الطريق من القاهرة إلى جبهات القتال فى السويس والإسماعيلية وبورسعيد .. قوافل من العربات تمتد بلا انقطاع وبفواصل 50 متر بين كل عربة وأخرى فى صمت تام وانقطاع للأنوار الكاشفة للعربات ، ولا يبقى شيئاً يضئ إلا لمبات التحذير الحمراء الخلفية لكل عربة ..
هدير هادئ وثابت لتلك القوافل ، طوال الليل وأثناء النهار .. بينما تتصاعد الإجراءات بمعسكرات القتال .. وفى مساء 28 سبتمر جلس عصام ومجموعة من ضباط الكتيبة يستمعون إلى خطاب الرئيس السادات يوم الاحتفال بذكرى وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .. فقال احدهم .. " .. أتمنى أن يكون الرئيس حذرا جداً .. فجميعنا على إدراك تام بأنها الحرب .. متى ؟ .. لا أحد منا يعرف .. ربما بعد شهرين أو أسبوعين .. أو ربما بعد عشرة أيام .. المهم أن الحرب واقعة ، ولا يجب أن يتفوه الرئيس بما يلفت نظر العدو إلى تلك الحقيقة .. " .. ووافقه الحاضرين على رأيه ، ومر الخطاب بسلام ، ولم يتحدث الرئيس عن الحرب أو شىء يلفت الانتباه إلا بعض كلمات اعتاد الجميع سماعها منه داخل وطننا العربى وخارجه ، وهى أن الحرب هى مصير محتوم لا رجعة فيه .. استقبلها الأخرون كما هى ، وكما تعودوا أن يسمعوها .. أما جميع القوات المسلحة داخل المعسكرات فكانوا وحدهم يدركون أنها الحقيقة والواقع ، والقدر المحتوم ..
ثم جاء يوم 4 اكتوبر وقد إرتفع سقف التصعيد بصدور الأوامر باتخاذ الجميع وضع الاستعداد الكامل للحرب ، وهو ما يعنى ألا يغادر أى فرد موقع فصيلته المقاتلة بجوار حفر الدبابات ، وألا يخلع أى فرد رداء الحرب .. وجلس الضابط الشاب على برج دبابتة من الخارج ينظر إلى ما حوله ونظر إلى السماء وقد ارتسمت فيها صورته هو وباقى تلاميذ الفصل من حوله ، ولا زالت كلمات الأغنية تترد على مسامعه .. " ذهب الليل وطلع الفجر والعصفور صوص ..

شاف القطة ، قالها بسبس قالت لو نونو .... وعصام بكرة هايبقى ضابط ويدافع عنكو ، يفدى وادى النيل بحياته وحياته منكم .. " .. وها هو التلميذ الصغير يوشك أن يحقق حلم الطفولة فى الأغنية ويتمم دوره فيها .... (( انتهت )) ..... حسن عصام الدين طلبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

{{ سجال بعنوان الهجر }} ...بين الشاعر / إيهاب طه و الشاعرة / سماح نبيل

  {{ سجال  بعنوان الهجر }}  ...بين الشاعر /  إيهاب طه  و الشاعرة /  سماح نبيل   و الذي أقيم بمجلة نبض القلوب الالكترونية مساء يو...