‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات قصة قصيرة. إظهار كافة الرسائل

الأحد، 10 ديسمبر 2017

{{ الجزء الثّاني من قصّة كانت أمنيّة }}.... بقلم الأديب / عبدالله أيت أحمد

الجزء الثّاني من قصّة كانت أمنيّة
لمّا تسلّم السّي السّيد والدي رسالة استعطافي، استعان بجارنا صاحب البقّالة الّذي لم يتجاوز مستواه الدّراسي مرحلته الابتدائية، فأسهب في الشّرح وإعطاء المواعظ، وتحذيره وتخويفه من مغبّة الاستجابة لطلبي وخاصّة أنّ مستقبلي غامض ولم ألج بعد سوق العمل، فأنا في نظرهم مجرّد صبيّ مراهق غير ناضج لا يدري عاقبة الأمور وغير مستوعب لمعنى المسؤوليّات...ولذلك استشار أحد أخواله طالبا مساعدته لإيجاد مخرج للمعظلة، اجتهد الإثنان، انصبّ تفكيرهم على البحث عن زوج لحبيبتي..ولذلك فكّروا في الجزّار الذي طلّق من فترة قليلة بعد زواج فاشل لم يدم طويلا...لم يتردّد كثيرا فقد قبل العرض بكلّ سخاء.
بعد أن طمأنني صديقي بالرّجوع الى منزل العائلة نزلا عند رغبة أبي الّذي أكدّ أنّه سيبحث في الأمر..لا أخفي أنّني شعرت بمزيج من الأحاسيس المتناقضة، اليأس يختلط بالفرح وأشكّ في نوايا الّذي أخاله منقدي.
في طريقي للعودة صادفني الرّجل..كانت المفاجأة صدمة كبيرة اهتزّ لها كيّاني ورباطة جأشي..وتساءلت كيف يستسيغ هذا المنكر وهو يعلم ما بيني وبينها من عشق وغرام وأيّ نفس تسكن هذا المتعجرف الكافر، لكن لم أستغرب كثيرا فهو يحترف مهنة الذّبح والسّلخ وتقطيع اللّحوم والمصارين وتفصيل الرّؤوس ولم يعد من شكّ أنّه تخلصّ من المشاعر الإنسانيّة منذ أن احترف الجزارة ولم يتبق إلّا أن يذبحني من الوريد إلى الوريد ويمزّق كلّ ما تبقّى من صدق وصفاء.. لقد أعدم الحبّ والمحبّين ودفنهم معا في مهد البداية والنّهاية بمباركة من أقرب المقرّبين.
يتبـــــــع.....

عبدالله أيت أحمد/المغرب

الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

{{ فداك ياقدس قصة قصيرة }} ... بقلم الأديب / محمد على عاشور

فداك ياقدس
قصة قصيرة بقلم محمد على عاشور
زفاف
لأول مرة يحضر زفاف أحد أصدقائه ، وهو يزف محمولا فوق الأعناق ، دموع والدة العريس لا تتوقف ، لقد شاهد أعراساً كثيرة لكن هذا لأول صديق .
الأسلحة النارية ترفع في الهواء من قبل من يملكها من أصدقائه وغير أصدقائه ، من يعرفه ومن لا يعرفه ، الرصاصات تنطلق ، تشق الهواء وتصم الآذان ، ورائحة البارود تجعل الأدمغة تغلي .
الجميع يتزاحمون ليحملوا العريس ، لكن لن يستطيع أحد أن يحرك حامليه ويجعلهم يتركون أماكنهم.
المشوار طويل ، والعروس تنتظر ، وتعرف أنه لن يكون الزفاف الأخير ، فسيعقبه زفاف وزفاف ، ثم زفاف وزفاف وهكذا .
الأكتاف المتدافعة نحته بعيداً عن صديقه ، لقد فرق بينهما العرس ، أقسم في هذه اللحظة أن العرس كما فرقهما لابد أن يجمعهما عرس آخر .
عاد إلى بيته وظل جالسا طوال الليل ، وقبل أن يأوي لفراشه شاهد العرس في التلفاز ، لكنه لم ير نفسه في الموجودين فيبدو أنه ابتعد عن الصورة .
فكر في ليلته كيف يكون عريساً ؟، لكن لن يسمح له والده بذلك فهو مازال صغيرا.
جلس مع عائلته على الفطور ، الجميع صامتون وهم يتناولون لقيماتهم القليلة ، والده يدعي الطعام حتى يأكل أولاده وكذلك الأم، بين الفينة والفينة تلتقي الأعين وترتد فورا على المائدة .
هو الوحيد الذي لا ترتد عيناه إلى المائدة فقد أخذ يتصفح وجوه الجميع ، والدته ذات القسمات الطيبة ، التي لا تتكلم إلا قليلا ، ووالده برغم قسوة ملامحه، واقتضاب جبينه، وحدته أحيانا ، إلا أنه يعرف أنه طيب القلب ، واخوته .....، لم يترك أحداً إلا تفحصه ، وقد أخذ يفكر .. ما وقع الخبر على مسامعهم ؟! لا يهم ، فقد تدبر الأمر .
خرج متجها إلى مكان اللقاء، لا يملك سوى أجرة ذهابه ، نظر إلى البيت ، من بعيد، ثم سار ، ثم أخذ يلتفت وهو سائر ليرى والدته تقف أمام البيت فيلوح لها وهو سائر بظهره فتلوح له وهي تبتسم .
أخذ يركل بعض قطع الحجارة بقدمه ، أعجبته إحداها فقد كان شكلها واستدارتها مثل حبة " المانجو " فأخذها وهو يقلبها في يديه.
وجد أقرانه يتوارون ويترقبون ، " هل سيكون بينكم عريس قبلي ؟! لا .. لن يحدث هذا " !
هكذا قال في نفسه وهو يقترب ثم فرد ذراعه عن أخرها في الهواء ثم انحنى إلى الجنب واندفع إلى الأمام بنصف جسده العلوي كأمهر رامِ .
لم يعد أحد في عينيه ،لقد فعل ما كان يريده ويعلم أن والده سيفخر به في كل الأيام، كما ستفخر به العروس .
حمله أصدقاؤه على الأعناق ، الأعيرة النارية تنطلق ، الزفاف يتحرك إلى إقامته الجديدة ، ووالدته تبكي، ووجد من زف قبله ينتظرونه في ملابسهم البيضاء وقد بشت وجوههم ، انزلوه من على أكتافهم، ثم ادخلوه في مكان إقامته الجديد الذي كتب عليه من الناحية الأخرى الشهيد .....!

بقلم /محمد علي عاشور

الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

(إنها أقرب المهن إلى الرحمة بل ومن أقرب المهن إلى الله) ... بقلم الشاعرة المبدعة / Hyam Issa

لا يتوفر نص بديل تلقائي.



(إنها أقرب المهن إلى الرحمة بل ومن أقرب المهن إلى الله)

هذه قصة جميلة من الواقع !!! 😊
بقلم : رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج

أقامت نقابة الأطباء في انجلترا حفلة لتخريج دفعة من الأطباء الجدد وقد شهد الحفل رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الحين .

وقام نقيب الأطباء أثناء الحفل بإلقاء النصائح الواجبة
لهؤلاء الخريجين الجدد .

وروى لهم ما يلي قال:
طرقت بابي بعد منتصف ليلة عاصفة سيدة عجوز
وقالت : الحقني يا دكتور طفلى مريض وهو فى حالة خطيرة جدًا .. أرجوك أن تفعل أي شىء لإنقاذه .

فأسرعت غير مبال بالزوابع العاصفة والبرد الشديد والمطر الغزير وكان مسكنها في ضواحي لندن وهناك وبعد رحلة شاقة وجدت منزلها الذي وصلنا إليه بصعوبة حيث تعيش في غرفة صغيرة والطفل ابنها في زاوية من هذه الغرفة يئن ويتألم بشدة .

وبعد أن أديت واجبي نحو الطفل المريض ناولتني الأم كيسًا صغيرًا به نقود فرفضت أن آخذ هذا الكيس ورددته لها بلطف معتذرًا عن نوال أجرى .. وتعهدت الطفل حتى منّ الله عليه بالشفاء .

وتابع نقيب الاطباء كلامه قائلًا هذه هي مهنة الطب والطبيب إنها أقرب المهن إلى الرحمة بل ومن أقرب المهن إلى الله...."

وما كاد نقيب الأطباء ينهي كلامه حتى قفز رئيس الوزراء من مقعده واتجه إلى منصة الخطابة قائلًا:
" اسمح لي يا سيدي النقيب أن أقبل يدك "
منذ عشرين عامًا وأنا أبحث عنك فأنا ذلك الطفل الذي ذكرته في حديثك الآن
آه فلتسعد أمي الآن وتهنأ فقد كانت وصيتها الوحيدة لي هي أن أعثر عليك لإكافئك بما أحسنت به علينا فى فقرنا ...

أما الطفل الفقير الذى أصبح رئيس وزراء انجلترا فكان: لويد جورج

العبرة :
ازرع جميلا ولو في غيرموضعه
فلن يضيع جميل أينما صنعا
إن الجميــــل إذا طال الزمان به

فليس يحصده إلا الذي زرعا

الجمعة، 27 أكتوبر 2017

القصة القصيرة ...شارع محمد علي ... بقلم الشاعر المبدع / ا.د/ محمد موسى


لا يتوفر نص بديل تلقائي.



♠ ♠ ♠ ♠ القصة القصيرة ♠ ♠ ♠ ♠

♠ ♠ ♠ شارع محمد علي ♠ ♠ ♠

♠ ♠ يعتبر شارع محمد علي من أشعر شوارع القاهرة ، بل هو الشارع الأشهر في عالمنا العربي ، الذي تَجمع فيه أهل الطرب والعوالم ، والذين تخصصوا في إقامة الأفراح والليالي الملاح ، ويبدء هذا الشارع العريق من ناحية ميدان العتبة الخضراء ، وهو الميدان الأشهر في مصر ، حيث إجتمع فيه أهم معالم القاهرة فعلى بعد خطوات كانت الأوبرا المصرية التى لا يوجد لها مثيل إلا في أوربا ، والتي كان يقام عليها أرقى العروض المسرحية العالمية ، والتي بنيت في بدايات القرن العشرين (و في عام 1972 تعرضت الي حريق بفعل فاعل ومكانها الأن جراج متعدد الطوابق ) ، كذلك يوجد المسرح القومي المصري الذي كان يقام عليه أرقى العروض المسرحية المصرية ، وكان مدرسة لتكوين الوجدان المصري ، كذلك توجد إدارة البوسطة المصرية العريقة ( مبنى البريد المصري ) ، والمركز الرئيسي لإدارة مطافئ القاهرة وبجوراه المبنى العتيق لقسم شرطة الموسكي ، ثم شارع عبد العزيز الشهير بتجارة السلع الكهربية (هو الأن أشهر شارع في القاهرة لوجود محلات تجارة الهواتف المحمولة ( بيعاً وشراء وتصليح) ثم شارع محمد علي والذي يمتد حتى باب الخلق ، ويقطع هذا الإمتداد شارع بورسيد الأشهر في القاهرة حيث يمينه الي مسجد السيد زينب رضى الله عنها التى يلقبها المصريين ( بأم العواجز ) وشماله مدرية أمن القاهرة وأمامها دار الكتب ( الكتب خانه ) وبجوارها المتحف الإسلامي وبعد خطوات شارع المناصرة حيث تجارة الخشب والموبيليا ، ثم شارع الأزهر الذي ينتهي بمسجد الحسين رضى الله عنه ويمتد شارع محمد علي حتى القلعة ، وكان يتميز الشارع وأمتداده بأنه كان مبلط ببلاط من البازلت الأسود ، والذي يصنع مع خطوات حدو خيول الحناطير ، وهو وسيلة المواصلات الراقية ذلك الوقت ، صوتاً وكأنه نغم شجي ، وفي شارع محمد على مقاهي يجلس عليها في الأغلب الألاتية والفنانين الذين يجلسون في النهار للتعاقد مع زبائن الأفراح والحفلات ، وفي الليل يجتمعون لكي يتم الحساب بينهم ، وكذلك بيوت الفنانين من راقصات وعوالم هذا الزمان ، ( هذه الصور إنتهت الأن وأصبح للشارع نشاطات إخرى من تجارة الأختام وعمل الكروت وبعض محلات الموبليا ) ، وفي منتصف الشارع تقريباً وعندما تنعطف شمالاً تجد سلالم تصعد بها فإذا البيوت يميناً وشملاً ، يتصدرها بيتاً مكتوب على البلكون يافته طويلة بخط كبير وتضاء ليلاً ( سماسم العالمه للأفراح والليالي الملاح ) ، والأسطى سماسم كما تلقب تدير فرقة من عدد من الراقصات ومجموعة من الآلاتية ، وتجري البروفات للفرقة في بيتها في الأيام التي لا يكون فيها شغل ، ولا يتضرر الجيران من الأصوات التي تنبعث من البيت فكل البيوت هكذا ، وكل أسطى عندها صبي هو نصف رجل يقوم بمهمة إطلاق البخور حتى يبعد العين والحسد عن الأسطى والفرقة ، ويصاحبها في الأفراح ، ولا مانع في مساعدتها عندما ترتدي لباس الشغل ، وكذلك لكل أسطى على المقهى مندوب يقوم بالتعاقدات مع الزبائن ، ويأتي لها بالشغل ، وبيت الأسطى هو دائما بيت لكل الراقصات طعامهم ونومهم ، وفي يوم من الأيام جاء مندوب الأسطى ليبلغها بوجود شغل في فيلا لكبير في العباسية الشرقية ، فرحت الأسطى بهذا العرض حيث سيتم أخذ ثمن جيد ، وكذلك عشاء محترم ، وذهبت الفرقة الي العباسية الشرقية في الميعاد ، وفي الحفل رأت الأسطى سماسم رجل كان منذ 20 عام قد تعرف عليها عندما كانت راقصة صغيرة في فرقة سماسم الأم ، نظرت له طويلاً وبادلها ذات النظرات ، وتذكرته عندما أغراها بالزواج وطاوعته ، ثم عندما أخبرته أنها حامل هرب منها وقال لها القوله المأثورة للأندال من الرجال إتصرفي ، ورمى لها بضع جنيهات ، فهذا لحم رخيص ، وذهبت بها أمها يومئذ الي الداية التي عملت اللأزم وأسقطتها ، تذكرت هذه الأيام وكم أسودت الدنيا في عينيها ولازمها البكاء فيها ، ومن يومها أصبحت تحذر كل بنات الكار من الأعيب بعض الرجال ، وحتى لا يقعن ضحايا لمن يعتقد أن الأعراض ثمنها بعض الجنيهات ، وإنتهت الليلة ، وبينما هم عائدون تحرك أمام عينيها شريط هذه الأيام ونزلت من عينها دمعة وعلت شفتيها إبتسامه سخرية .


♠ ♠ ♠ ا.د/ محمد موسى

الخميس، 19 أكتوبر 2017

{{ زمان يا حب }} ... بقلم / ا.د/ محمد موسى

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏


♠ ♠ ♠ ♠ القصة القصيرة ♠ ♠ ♠ ♠
♠ ♠ ♠ زمان يا حب ♠ ♠ ♠
♠ ♠ فجأة أغلقت بيتها عليها ، لتكتشف لأول مرة أنها أصبحت وحيدة ، وبعد 36 سنة رفقة ، والآن هي وحيدة ، بعد أن رحل شريك حياتها الذي عرفت معه لأول مرة ، الشوق للحبيب وانتظار الرفيق ، والذي عَرفها على أنُوثتها التي كانت تخشى الاقتراب منها قبل زواجها ، هكذا تربت على منطق العيب والحرام ، وأول شئ فعلته بعد أن أغلقت عليها البيت ، أن أسرعت الي صورته المعلقة ، وتزين المكان وقفت أمامها وأخذت تتذكر ، أول يومٍ دخل بيت أبيها يطلبها للزواج ، كانت لا تعرفه ولكنها لما رأته دق في صدرها قلبها بسرعة خائفة أو عاشقة أو حتى متلهفة ، كان عمرها قد تعدى الثلاثين بأربعة سنوات ، ولم تتزوج بل ولم تدخل دنيا العشاق بعد ، كانت تعرف عن الحب كما يعرف الجائع الفقير عن الجميل من الطعام ، وفجأة وجدت نفسها أمام رجل ذات شكل ومركز اجتماعي رائع ، مثقف و منسق في ثيابه وألوانه ، عمره يقترب من عمرها وقد تكبره بشهور ، لم يستغرق الأمر إلا أياماً وزُفت إليه ، كان أول شئ فعله معها يوم أن دخلت بيته عروس ، هو أن يصليا معاً لله شكراً وطلباً للبركة لهذا الزواج ، وبعد الصلاة جلسا معاً ولم يبدلا ثيابهم بعد ، ودار هذا الحوار منه لها ، قال نحن لم نمر بمرحلة حب وخطوبه كما نسمع في العادة ، لذلك لابد من الاتفاق على ثوابت في بداية حياتنا أن الزواج بيننا هو شركة ، لكل منا له 50% من أسمها ، ولكن حق الإدارة لي أنا وحدي ، أي في القرارات المصيرية لحياتنا نتناقش بهدوء ولكن في النهاية يكون القرار لي أنا ، اتفقا معاً بعد أن رأت هي أن حياتها تبدأ الآن مع رجل ليست من مفردات لغته الظلم ، ابتسمت له وبدأت حياتهما ، حقق لها ما تتمناه كل أنثى وأصبحت أماً ، وعاشت معه حياة مثل حياة كل الأسر المصرية ، وكبر الأبناء وتزوجا بعد أن تعلما أحسن تعليم وتقلد كل منهما مركزاً اجتماعيا مرموقاً ، وأنجبا وتعلما من أبيهما أن الظلم ظلمات ، والكريم هو من يكرم زوجته ، وكانت سعادته عندما يأتيا بأبنائهما كل أسبوع ليقضيا اليوم هما وزوجاتهما مع الأبوين ، ومضت الأيام ومرض الزوج فجمع أبناءه وأوصاهما على زوجته أمهما وأن يأخذها الابن الأكبر لتعيش معه في فيلته ، والتي أشتراها له الأب ليتزوج فيها كما اشترى للابن الأصغر أيضاً فيلا وتزوج فيها ، حتى يتساويان وطلب منهما بعد أن يرحل أن يظل البيت مفتوح ، وإذا أرادت الأم العودة إلي البيت لا تترك وحدها ، بل يأتي أحدهما وأولاده وزوجته ليظلوا معها طالما هي تريد البقاء في بيتها ، ورحل بلا ضجيج كما عاش معها بلا ضجيج ، وترك لهما ثروة بعد أن عاشوا في بحبوحة ، وفجأة بكت عندما كان في السرير وقليل الحركة، ، وتقول له أنا وحدي لماذا لا تأتي معي إلي النادي فهناك الرجال في نفس سنك ، يعتذر لها ويقول سعادتي أن أظل في السرير ، فتغضب في نفسها بدون أن تنظر له ، وتتصل بصديقة لها ويذهبا إلي النادي ، وكانت تظن أن بعد رحيله ستكون أكثر حرية في الدخول والخروج ، ولكن لا تعرف ما الذي حدث لها ، رحل هو ورحلت معه كل ما يربطها بالحياة ، أصبحت قليلة التحدث في التليفون بعد أن كان هو وسيلة إتصالها بالناس ، حتى النادي لم تعد تشتاق الذهاب إليه كما كانت قبلاً ، والأبناء يرجونها أن تأتي لتمكث مع أيهما ولو يومين ، إلا أنها كانت ترجوهما أن يتركونها وحدها ، فإذا قال أحدهما لها هذه وصية بابا كانت تقول بابا معي في كل مكان في البيت هو يؤنس وحدتي ، ولا أريد البعد عنه وعن أنفاسه التي تتردد في البيت ، وظلت تقول لنفسها كم أنتَ وحشتني وأشتاق لصوتك ، حتى إني أشتاق لظلك ، لو أعلم أن برحيله سوف ترحل الدنيا عني ، لتمنيت منه ألا يرحل قبل رحيلي ، ثم تستغفر الله ، وتواصل قراءة القرآن الكريم لتهب لروحه ما تقرأ.

 ♠ ♠ ♠ ا.د/ محمد موسى

الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

الزهرة البيضاء ..... بقلم الأستاذ / محمد سعيد أبوالنصر

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏نبات‏، و‏زهرة‏‏ و‏منظر داخلي‏‏‏


الزهرة البيضاء
(قصة نثرية )
بقلم / محمد سعيد أبوالنصر
الزهرة البيضاء.. امرأة ساحلية
تعيش على البحر تحب السهر والشعر
تلبس قبعة .. وهي امرأة بدت في عيني متدلعة
جمالها في نظارتها وقبعتها
إن خلعتهما ذهب نصف جمالها
ولو وصفت بهما
فيمكن أن تقول عنها
هل شاهدتم القمر
يطل علينا كالقدر
بقبعة كأنها خَدَرْ
تتدلع بها طَرَر
تحمل جمال الزهر
ونظارتها فيها
لمعة الضياء
وقبعتها زادتها بهاء
فهي امرأة من ماس
ورؤيتها تسعد الحواس
فهل تعطيني
سيدتي نظارتك
لأكتب بها في هذا الدفتر
كلمات من عنبر
لأسطر بها أحلامي
الأخضر منها والأحمر
سيدتي كان وعدًا إن كتبتُ
أن أنال منك سُكر
كُنتِ أكبر... كنتُ أصغر
ما أناله قطعة جوهر
فهل تمنحيني منك عنبر
أم ما أقوله صار أخطر
فمتى يغني قلبي ويزهر
وبساتين الشوق فيه تزهر
أجيبيني يا عروس مرمر
قالت أنا أكبر منك سنًا
أنت أصغر
قلتُ حبي لك أكبر
ألف عام
يكفيني منك بسمة
تُحيي الغرام
يكفيني منك لمسة
فيها كل الحنان
أنا لم أنظر لك
كأنثى تُرْضي الغرور
فقلبي ينظر لك كأجمل حور
لكن يُحزنني سيدتي
أهات في عينيك تترى
أحزان تطرد أحزنًا
لكن إيماني باق
لأقتل تلك الأحزان
أمسكها فوق الخلجان
وأرميها في بحر الأحزان
لتجري مع هذا البحر العابس
وأرقص فوق الشطآن
فشكرًا سيدتي لحب
أسعدني أدبني
علمني هذبني
فأنت القلب الكبير
وحُبي لكِ ما له أبدًا بديل
وحبك . . ألف نافذة
وإن كان الطريق إليك طويـل.
ووصولي إليك
ليس من المستحيل
قالت كن صديقًا
فأنت نعم الصديق
قلت: أتريدين مني
أن أكون قلبًا جاحدًا
وقد أشعلت في قلبي الحريق
أتريدين مني
أن أكون وجهًا جامدًا . .
وتضيعين منى الطريق
أتريدين مني أن أكون صديقًا
بعد ما سرت الطريق
من الصعب أن أصير رقيقًا
ويعيش قلبي في ضيق
أبعد أن كنتِ شذًا
وكنتُ أنا الرحيق
تطلبين منى أن أكون صديقا.
أظنك قد وجدت طريقا غير الطريق
فلستِ كما كنت أظن
امرأة متدلعة
وقبعتك كانت مجرد وهم ...
ولم تك ماتعة
ولقد أيقنت بأن خبرتك
في الحياة واسعة
وليس عجيبا منك
أن أراك مودعة
فقالت : ظلمتني
ولقد أبحرت من ألف عام
وفي بحر عينيك أغرق
وكتبت رسائل حب
والحنين إليك يتدفق
وقطعت أسفارا وأميالًا
وما زال القلب مرهقا
وأزحت عن سمائي الغموم
وشوقي إليك مشفق
وصار قلبي في عياء
وسألت الطبيب عن دواء
فقال: أبشري
السماء لا بد أن تشرق
فيا فتى البحار
أتتركني بلا شط ولا قرار
فرد وقال :صعبٌ على الاعتراف
وأن أقول :بأن قلبي منك في شغاف
صعب على ـأن أقول : بأن قلبي مختطف
فهل تقبلين مني الأسف ..
وإن كنت أعود واعترف
بأن غدًا سيختلف .
فعيناك سهام
ترمي بالعشق والغيرة
وتكسوها دروع
تنتزع القلوب النضيرة
والعمر في عينيك
لحظاته قصيرة
فمدت يدها وقالت :
أشواقي إليك غزيرة
وسأسافر إليك
ولو أخد السفر الليالي الطويلة
وهناك سيتقابل الأمير بالأميرة ....

ويحدوهم شوق للحياة النبيلة .

الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

الفراق ضرورة .. بقلم الكاتب / حسن عصام الدين طلبة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏شخص أو أكثر‏، و‏‏أشخاص يقفون‏، و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏ و‏نص‏‏‏

الفراق ضرورة .. !! ... ( أقصوصة )
سارا متجاورين يغلفهما صمت كئيب كآبة اللحظة التى يفترقا بعدها .. وعلى رصيف محطة القطار راح يسألها : أهذا هو السبيل الوحيد كى ننهى خلافاتنا معا ، بأن تسافرى عائدة إلى أهلك بعد شهور قليلة من زواجنا .. هكذا بكل بساطة .. !! .... نظرت إليه والقطار يوشك على الرحيل ، وسارت تتجه إليه وهو يسير بجانبها وقالت : كما أن الحب هام ، ولا نستطيع أن نعيش بدونه .. كذلك الفراق قد يكون ضرورة .... فقال مستغرباً : أيكون الفراق ضرورة .. وفى تلك اللحظات انطلقت صافرة القطار معلنة مغادرته رصيف المحطة ، فقالت له : لا يزال لدينا وقت لنفكر فيه ونقرر مصيرنا معاً .. وجرت لتركب القطار .. فجرى زوجها إلى جوارها وهى واقفة على سلم القطار وهو يتحرك وقال : لم نكمل حديثنا بعد .... فقالت : يمكننا التواصل على النت .. وجرى القطار بهديره الموحش الذى لا يستشعر قبضته إلا اليائس المترجى .. وظل الشاب ينظر إلى القطار وهو يبتعد ..
مضت أيام قليلة ، فتح فيها الزوج جهاز حاسوبه ينتظر منها إشارة أو بادرة تبديها الزوجة المفارقة له ، فلم يتلق أى بادرة .. وراح يتجول وحده فى أرجاء العش الذى كان يجمعه وزوجته ، ويسترجع الذكريات فى كل ركن فيه ، وداخل كل حجرة ، وأنهكه التعب ، وجلس يكتب إليها على شاشة الحاسوب يحكى لها مشاعره بعبارات موجزة من ابيات الشعر الذى يحترف كتابته وتعشق هى قراءته فقال :
يا حبيباً لست انساه ولا ينسى ، منى * أننى قد وهبته يوماً قلبىِ
عشنا معاً حياةٌ لنا فيها خبرٌ تحكيه * عنا الأشجار والسوسن ، بغدير النهرِ
فمن ترفٌ فى الحب قد عشناه روعةً ونضارةً * إلى وحشة البعاد وظلمة الهجرِ ..

ثم مضت أيام لم يتلق منها جواب .. ورن التليفون على المنضدة بينما هو جالس يشاهد برامج التلفاز المملة ، فتلهف وقد ظهر على الشاشة وجود رسالة له بصفحته على شبكة النت .... ثم فتح الصفحة ولم يجد كلمة واحدة بل علامة استحسان بقبضة اليد ..
أحـْبـِط الزوج وراح يفكر فى معنى العلامة .. هل هو استحسان منها لأبيات الشعر .. أم هو إشارة منها على قرب تواصلها معه .. ومضى أسبوعا أخر ولا إشارة أو جواب منها على رسالته ، فعاد يكتب إليها ما يشعر به من جوى الهجر والفراق بأبيات من الشعر لعل قلبها يرق إليه من جديد ..فكتب يقول :
أمضيتُ ليلى فى أسر بلا قيد * أناجى خيالك وطيفك بذلك الركنِ
يطل الصبح يقطع سواد الليل بنوره * فعدت أمنى النفس بقيودها بالأمسِ
فهل لنا فرحة نلهو بها ونغنى * فلعل غناؤنا ينسيك وينسينى جوى الأسرِ ..
يا توأم روحى يا خليلة القلب يا نور عينى * متى ألقاك ، فلا أشقى نهاراً ولا أبكيك بالليلِ ..
سأبقى على عهدى معك ، فإن يسألنى الناسَ عنك يوماً * أقول لسائلى ، هى نفسى والنفسُ هى أنتِ ..

وجاءت الرسالة المنتظرة وقرأ سطورها القليلة تقول له فيها .. " نعم أحببتك يوماً ، وأعلم أنك تحبنى بجنون .. ولكن كما قلت لك من قبل الحب وحده لا يكفى لبناء أسرة وحياة .. لن أتحدث عن كثرة شجارك ، وجنون غضبك ، ونار غيرتك ، وإسرافك فى السهر أو إهمال حاجتى إليك ، فليس هذا وقت العتاب .. أرجو أن تتفهم أسبابى ورغبتى .. نعم لقد أصبح " الفراق ضرورة " .... (( انتهت )) .... حسن عصام الدين طلبة

الاثنين، 25 سبتمبر 2017

ذهب الليل ، وطلع الفجر ، والعصفور صوصو .. ( أقصوصة ) ... بقلم الكاتب / حسن عصام الدين طلبة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏19‏ شخصًا‏، و‏‏أشخاص يبتسمون‏، و‏‏أشخاص يقفون‏‏‏‏

ذهب الليل ، وطلع الفجر ، والعصفور صوصو .. ( أقصوصة )
بفرحة وسعادة عارمتين ، أخذ عصام الفتى اليافع الذى قارب سنه العشرين عاماً يسرع فى ارتداء زى التشريفة العسكرى ، ليحضر وزملاء دفعته حفل تخرجهم من الكلية الحربية فى صيف 1973 .. وجال فى خيال الفتى تلك اللحظات الجميلة التى لا تنسى حينما كان يردد وزملائه وزميلاته فى الفصل الابتدائي وهم براعم فى عمر الزهور مرددين مع مدرستهم مقاطع الأغنية التى طالما رددوها وهم يودعون العام الدراسى .. وتذكر صوته ومن معه يقولون :
ذهب الليل وطلع الفجر والعصفور صوصو ..
شاف القطة ، قالها بسبس قالت لو نونو ..
وعاد يتذكر المقطع الأخير من الأغنية والجميع يلتفوا بنظراتهم إليه والابتسامة على وجوههم وهم يقولون :
ندر عليا أجلكم واولع شمعة من شمعة .. لحد الشبر ونص ما يكبر ويروح الجامعة ..
وصلاح يبقى محامى وتوتو قاضى يصالحكو .. وعصام بكرة هايبقى ضابط ويدافع عنكو
يفدى وادى النيل بحياته وحياته منكم ..
وارتسمت الابتسامة على وجهه وهو يتذكر تلك اللحظات الجميلة ، نظرات أصدقاءه عادل وسمير وحاتم ومحمد ومحمود ، والتلميذات مها وسلوى وهناء وسناء ، والآخرين والأخريات والجميع فى سعادة بريئة نادرة .. وهاهو قد تحقق حلمه الذى جاء بالأغنية ، وهاهو يستعد لدوره الجديد فى الحياة كضابط يقاتل من أجل بلاده ليحقق الانتصار على جيش الاحتلال الغادر ..
ومن رفاهية الحياة المدنية إلى شظف الحياة العسكرية الجدباء .. وفى معسكر وحدته المقاتلة بسلاح المدرعات ، راح يعاين شركائه الجدد من الضباط والجنود فى تلك الحياة الجديدة التى يعيشها واقع على الأرض بعد سنين التدريب الأولى فى الكلية العسكرية ..
عاد الضابط الفتى من أجازته الأولى عند غروب الشمس ، وما كادت قدماه تلامس ارض المعسكر حتى جاءه التكليف بحضور المؤتمر العاجل بحضور قادة سرايا الدبابات فى مقر قيادة اللواء نائبا عن قائد سريته الذى كان فى منحة دراسية تدريبية بالقاهرة ..
فى القاعة المتسعة تحت سطح الأرض ، وتحت أضواء مصابيح الوقود الضوئية ، رفعت الخرائط على الجدران ، وأخذ ضابط الأمن والاستطلاع بقيادة اللواء يشرح للحضور فجأة وبدون مقدمات طبيعة أرض سيناء وآخر أخبار انتشار قوات العدو على كل مساحة الأرض هناك ..
استشعر الحاضرون بأن هناك هدف ما لهذا المؤتمر ولأسباب انعقاده بهذه الصورة ودون إخطار سابق بموعده .. وبدأت عقارب الساعة تدور بلا توقف ، والأحداث تتسارع بلا هوادة .... " لن يتحرك ضابط أو جندى من مكانه فى المعسكر إلى خارجه إلا بأوامر .. وتم منع نزول الأفراد لأجازاتهم المعتادة ، كما تم ايقاف كافة بعثات الدراسة فى القاهرة والأقاليم ، وصدرت الأوامر بعودتها فوراً إلى معسكراتها .. من الآن أيها السادة ستنقطع أخباركم عن العالم خارج المعسكر ، وفى ذات الوقت سنتابع جميعا كل الأخبار عما يجرى خارج معسكرنا .. " .. تلك كانت كلمات قائد كتيبة الدبابات فى المعسكر فى 20 سبتمبر وهو اليوم التالى لعودة عصام من أجازته ..
عاد الجميع إلى المعسكر ، وقامت الدنيا ولم تقعد بكافة المعسكرات .. تجهيز المعادات إلى الدرجة القصوى ، إمدادات إضافية من الذخائر والمؤن ، تسليم خرائط لمواقع القتال المحتملة على الجانب الشرقى لقناة السويس .. سيل قوافل العربات الناقلة للعتاد والجنود الإضافية والطارئة تتحرك على طول الطريق من القاهرة إلى جبهات القتال فى السويس والإسماعيلية وبورسعيد .. قوافل من العربات تمتد بلا انقطاع وبفواصل 50 متر بين كل عربة وأخرى فى صمت تام وانقطاع للأنوار الكاشفة للعربات ، ولا يبقى شيئاً يضئ إلا لمبات التحذير الحمراء الخلفية لكل عربة ..
هدير هادئ وثابت لتلك القوافل ، طوال الليل وأثناء النهار .. بينما تتصاعد الإجراءات بمعسكرات القتال .. وفى مساء 28 سبتمر جلس عصام ومجموعة من ضباط الكتيبة يستمعون إلى خطاب الرئيس السادات يوم الاحتفال بذكرى وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .. فقال احدهم .. " .. أتمنى أن يكون الرئيس حذرا جداً .. فجميعنا على إدراك تام بأنها الحرب .. متى ؟ .. لا أحد منا يعرف .. ربما بعد شهرين أو أسبوعين .. أو ربما بعد عشرة أيام .. المهم أن الحرب واقعة ، ولا يجب أن يتفوه الرئيس بما يلفت نظر العدو إلى تلك الحقيقة .. " .. ووافقه الحاضرين على رأيه ، ومر الخطاب بسلام ، ولم يتحدث الرئيس عن الحرب أو شىء يلفت الانتباه إلا بعض كلمات اعتاد الجميع سماعها منه داخل وطننا العربى وخارجه ، وهى أن الحرب هى مصير محتوم لا رجعة فيه .. استقبلها الأخرون كما هى ، وكما تعودوا أن يسمعوها .. أما جميع القوات المسلحة داخل المعسكرات فكانوا وحدهم يدركون أنها الحقيقة والواقع ، والقدر المحتوم ..
ثم جاء يوم 4 اكتوبر وقد إرتفع سقف التصعيد بصدور الأوامر باتخاذ الجميع وضع الاستعداد الكامل للحرب ، وهو ما يعنى ألا يغادر أى فرد موقع فصيلته المقاتلة بجوار حفر الدبابات ، وألا يخلع أى فرد رداء الحرب .. وجلس الضابط الشاب على برج دبابتة من الخارج ينظر إلى ما حوله ونظر إلى السماء وقد ارتسمت فيها صورته هو وباقى تلاميذ الفصل من حوله ، ولا زالت كلمات الأغنية تترد على مسامعه .. " ذهب الليل وطلع الفجر والعصفور صوص ..

شاف القطة ، قالها بسبس قالت لو نونو .... وعصام بكرة هايبقى ضابط ويدافع عنكو ، يفدى وادى النيل بحياته وحياته منكم .. " .. وها هو التلميذ الصغير يوشك أن يحقق حلم الطفولة فى الأغنية ويتمم دوره فيها .... (( انتهت )) ..... حسن عصام الدين طلبة

الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

الأميرة العاشقة .. ( قصة قصيرة ) .. ( الجزء الأخير ) ... بقلم الأديب / حسن عصام الدين طلبة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏

الأميرة العاشقة .. ( قصة قصيرة ) .. ( الجزء الأخير )
امتدت اللقاءات الحميمة بين الأميرة مع الحبيب ابن زيدون مطمئنين للأيام والمستقبل .. وامضيا ليالى العمر معاً تناجيه بالحب والعشق ويناجيها ، ويلثم كلاهما من الشفاه رحيق هذا العشق فيسكرهما فتتخدر القلوب والجوارح .. وفى سكرة الحب خطت أنامل المحب أبياتاً تصور هذه اللحظات الحميمة فأنشد قائلاً :
فرشفت الرّضاب أعذب رشفٍ، *** و هصرت القضيب ألطف هصرِ
و نعمنا بلفّ جسم بجسمٍ ، *** للتّصافي و قرع ثغر بثغرِ
وبعزة الشباب وغروره ، ونشوة العاشقين الواثقة بالمحبوب ، تنسى العقول تقلب الأيام وغدر الليالى .. وفى حديث ودى جمعهما فى إحدى الأمسيات الجميلة قرأت الأميرة على حبيبها بيتاً من الشعر صاغته فى حبه فقالت : سقى الله أرضا قد غدت لك منزلاً بكل سكوب هاطل الوبل مغدق ..... وعلى سجيته ، أخذ ابن زيدون يشرح لولادة وينقد بوعى الشاعر العارف بأصول الشعر ومعانى الألفاظ أن هذا البيت من الشعر أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له ، فاصطدمت شاعرية ولادة المتضخمة ، بذات ابن زيدون الناقدة ، وتغير لون وجهها ،واستشعرتها إهانة لنفسها وأَسرتها فى صدرها .... ثم راجعت نفسها ، وغفر له قلبها ، وإن لم تغفره له نفسها المتقلبة النرجسية .. وقررت فى نفسها أن تذيقه من عذاب الحب يوماً .. فتلك هى ساديتها في الحب ، تلذذ بعذاب المحب ، وتتمتع برؤيةِ احتراقه !
وقفت الأميرة أمام مرآتها تداعب خصلات شعرها الكستنائى المنساب على كتفيها ، وتلف كتفيها يميناً تارة ويسارا أخرى ، والجوارى من خلفها يطيبنها بأعتق العطر وأجمله ، ثم غادرت إلى حيث متكئها الخاص بالردهة الواسعة الملحقة بحديقة القصر ، وقد انتشرت الشجيرات الكثيفة الأوراق بظلالها الجميلة على جنبات الردهة ، وتوسطتها نافورة صغيرة ، تطاير رذاذها الخفيف مع نسمات الهواء العليلة ، وراحت تحادثهن عن حفل اليوم الصغير الذى دعى له الوزير ابن زيدون ونفر قليل من الشعراء والشاعرات ، فقد أرادت أن يحظى الجميع بمجلس هادئ رائع تغمره الألفة والود ، وراحت توصى جاريتها " عنبة " المشهورة بعذوبة صوتها ، بأن تبدع فى غنائها اليوم أكثر من أى مرة غنت فيها وأبدعت من قبل ..
وفى مجلس المساء السامر ، غنت الجارية السوداء الجميلة " عنبة " وشدت
أحبتنا إني بلغت مؤملي وساعدني *** دهري و واصلني حبي ..
وجاء ليهنيني البشير بقربه *** فأعطيته نفسي وزدت له قلبي ..
استحسن ابن زيدون كلمات الشعر والغناء وصوت الجارية فطلب منها أن تعيد وصلة الغناء مرة أخرى وذلك من دون إذن ولادة ، مخالفاً التقاليد فى تلك المجالس .. فما كان من ولادة إلا أن أحمر خديها وتجهم وجهها واستشاطت غضباً ، وانتفضت وثارت غيرتها وذهبت إلى جاريتها وعنفتها وضربتها لتغيظ ابن زيدون .. فاستشعر الحرج ووقف من مجلسه محاولا تهدأة ولادة ولكن بلا جدوى ، فآثر الانصراف ، وغادر المجلس آسفاً لما جرى دون أن يقصد .. وعن ذلك المجلس كتب يقول بعد أيام يصف تلك اللحظات بأبيات من الشعر .. فقال في ذلك : وماضربت عنبى لذنب أتت به *** ولكنها ولادة تشتهي ضربي ..
فقامت تجر الذيل عاثرة به *** وتمسح طل الدمع بالعندم الرطب ..
ثم بعد ذلك يصف إبن زيدون تأثير غضبها وموقفها وذلك حين يقول : " فبتنا على العتاب ، في غير اصطحاب ، ودم المدام مسفوك ، ومأخذ اللهو متروك .. وأما ولادة فراحت تكتب له تأنبه على ما جرى فتقول : لو كنت تنصف في الهوى مابيننا *** لم تهوى جاريتي ولم تتخير
وتركت غصنا مثمرا بجماله *** وجنحت للغصن الذي لم يثمر ..
ولقد علمت بأنني بدر السما *** لكن دهيت لشقوتي بالمشتري ..

وأراد ابن زيدون الاعتذار ولكنها تركته ولم ترد على طلب ملاقاته ، بينما تابع هو كتابة اشعارة بحسن نية محاولا إن يسترجع اللحظات الحلوة التى عاشها مع محبوبته واصفاً ما كان بينهما من لقاءات حميمة ، فكتبها وقرأها الناس وتغنوا بها .. فاشتعلت النار فى الهشيم ، فهاهو الحبيب يجاهر بحبها ويفضحها على السنة العامة ..
" أهاننى وهو ينقد شعرى فغفرتها له .. ثم أعجب بجاريتى السوداء ولم يحفظ مجلسى ، وهاهو يشهر بى .. لقد فعل الثلاثة التى سبق لى حذرته من أن يقترف إحداها .. " .. حدثتها نفسها بتلك الكلمات ، وهى تقرر هجر محبوبها تماماً عقاباً له على ما أقترفه فى حقها ، وأكبرها فتنته بالجارية ، وفضحها فى شعره بما لا يمكن احتماله ..
وهكذا انهار ذلك الحب ، ومرت أيام وأسابيع وأضحى الجفاء والهجر بديلاً عن روعة اللقاء بالمحب وأنسها ، وبينما الحبيب يمنى نفسه بأمل اللقاء كانت المحبوبة قد أوغلت فى غيها بمواصلة الهجر والانتقام والتشفى من محبوبها الهائم فى حبه لها .. وراحت تحدثها نفسها دون أن تدرى مغبة استمرارها فى عذابات الهجر التى تكتوى بها ، إلا أنها وجدت ساديتها ونرجسيتها تقودانها إلى آلام الفراق ولوعة فقد الحبيب .. " .. ما ينتابنى واستغربه منى تلك اللذةٌ التى لا يحدها الوصف ولا تصورها الألفاظ ؛ فإنني أشعر بشخصي يسمو ويعلو ويملؤني الزهو والكبرياء والجلال ، وتبلغ بي النشوة أوجها كلما شعرتُ أنني بسطت سيطرتي عليه وعلى كل هؤلاء الرجال دونَ أن أُشبع لهم رغبة ، أو أُطفئ لهم شهوة ، فهم عبيدي يظلُّون يجرون خلفي طمعاً في أن يتذوقوا حلاوة وصالي ، بعد أن ذاقوا مرّة قسوتي وكبريائي ، فهم أتباع لي : يحدوهم الأمل في نعيمي ، فإذا بهم يدخلون جحيمي .. !! " ..
ولأن المصائب لا تأتى فرادى ، فقد وجد الواشون طريقهم للدس لدى الحاكم الجديد لقرطبة ، وأعادوا عليه ما قالوه لوالده من قبل ، وحذره زيادة المداخلات بين الوزير وحاكم أشبيلية اللدود .. وعلى الرغم من صداقتهما الوطيدة فقد انقلب الحاكم الصديق على صديقه ابن زيدون وقرر سجنه ، وعلم ابن زيدون بنية الحاكم فهرب ليلاً وترك قرطبة ، ولحق ببلاط حاكم أشبيلية ، فرحب به ، وقلده الوزارة هناك ..
لم تشفع سلطة ابن زيدون وثرائه فى أشبيلية كى ينسى جراح القلب والروح ، وكتب يبكى غربة الهجر ولوعة الحب فقال :
أيُوحِشُني الزّمانُ، وَأنْتَ أُنْسِي، * وَيُظْلِمُ لي النّهارُ وَأنتَ شَمْسي؟
وَأغرِسُ في مَحَبّتِكَ الأماني، * فأجْني الموتَ منْ ثمرَاتِ غرسِي
لَقَدْ جَازَيْتَ غَدْراً عن وَفَائي؛ * وَبِعْتَ مَوَدّتي، ظُلْماً، ببَخْسِ
ولوْ أنّ الزّمانَ أطاعَ حكْمِي * فديْتُكَ، مِنْ مكارهِهِ، بنَفسي

ومرت السنوات والمحبان لا يلتقيا فيها إلا فى الخيال والأحلام مع ذكريات الماضى الجامحة الرائعة .. وتهافت الشرفاء والعظماء طالبين وصالها وزواجها ، بينما ظلت الأميرة لا ترضى برجل أن يتزوجها ، فهى أكبر من أن تكون زوجة .. وبهذا رضت أن تكون طوال حياتها بلا رجل يؤنس وحدتها فى ظلمات الدهر ..
عاد ابن زيدون إلى إمارة قرطبة بعد انتصار مملكة أشبيلية عليها ، وضمها للمملكة .. وفى سكون الليل ذهب إلى قصر الأميرة ، ودخل إلى ردهته خافتة الأضواء ، وتجول بعيناه فى ذلك المكان الذى كان يعج بعظماء القوم وأشرافهم يحيطون بالأميرة المتوجة على عرش قلوبهم ، وتذكر الماضى ، ونعى الحاضر .. ووقف تحت سلالم الدرج ينظر لأعلى مستلهما يوم رآها لأول مرة وهى تنزل من عليائها فى سمو وشموخ .... وعاد الخادم ليقول له بعد أن طلب منه أن يلقاها " الأميرة نائمة الآن يا سيدى " ..
نظر إلى أعلى الدرج يناجيها بقلبه وروحه .. ووقفت هى خلف الساتر الخشبى وقد غرزت أصابعها فى مغازلة والستائر تخفيها ، وكأنها تتعلق به أن تخور قواها وراقبته بينما يناشدها قلبها بلقائه .. وحدثتها نفسها قائلة .. " .. ما عاد الزمان أن يجود لنا باللقاء الآن ، وقد كان قادراً على ذلك فيما مضى .. نعم أحببته ، وأتمناه .. ولم أحب أحد غيره سواه .. ولكننى أريد أن أبقى فى عينيه كما رآنى أول مرة .. أميرة القلوب .. وأما الآن فقد أخذ منى الزمان مأخذه .. فوداعاً يا حبيب القلب .. " ..
وعاشت ولادة من بعد رحيله سنين ، ولكنها أبداً لم تناساه ، وكيف تنساه وقد اختلت به فى قبره وراحت تنقش عليه أبيات تنطق بحبها الأبدى ، أبيات حكتها له ، وهو جالس يوماً إلى جوارها ، فأرادت أن تحاكى الماضى واللحظة فنقشت على قبره تقول :
أغار عليك من نفسى ومنى ** ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أنى خبأتك فى عيونى ** إلى يوم القيامة ما كفانى ....... (( انتهت )) ..

حسن عصام الدين طلبة

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

الأميرة العاشقة .. ( قصة قصيرة ) .. ( 3 ) ... بقلم الكاتب / حسن عصام الدين طلبة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏نص‏‏‏

الأميرة العاشقة .. ( قصة قصيرة ) .. ( 3 )

بينما كان الوزير الشاعر فى غيابات السجن ، بسبب مؤامرات خصومه وحساده على حب الأميرة ولادة له ، كان أبو عامر بن عبدوس خصم ابن زيدون اللدود ، قد انتهز الفرصة وتقرب من الأميرة فى مجالسها الأدبية التى قلت كثيراً بسبب محنة حبيبها ابن زيدون ، وراح ابن عبدوس يغدق عليها بالهدايا ، ويلبى لها رغباتها دون انتظار أن تبديها أو تطلبها من أحد ..
" .. تتسارع أمام عينى مشاهد الطامعين فى حبى .. كل منهم يريد أن يشترى مودتى بأى ثمن ، ولكن هيهات .. " .. سرح خيال الأميرة وجرت فى خاطرها تلك الكلمات ، وهى تنظر إلى ابن عبدوس وهو ينحنى أمامها ملبياً لكل رغباتها ، من دون أن تمنحه شىء ..
نعم كانت الأميرة ولادة محبة وعاشقة مخلصة لحبيبها إلا أنها لم تستطيع أن تكبت رغباتها الدفينة فى الانتقام من المجتمع الذى تعيشه .. المجتمع الذى سلب أسرتها ملك الأندلس ، ففى صدرها مزيج عجيب من حقدٌ تاريخي ، ومرحٌ روحي ، ونرجسية نفسية ؛ فارتأت لأجله أن تعبث بالقلوب وتُحطمها ، تمنحُ مودتها لمن تشاء ، وتستردها متى تشاء ، فلم تكن في ودها كاذبة ، ولا في رجوعها غادرة ، وإنّما هو طبعها الهازئ ، تستلذ خفقات القلوب ، فتبدل واحداً بعد آخر ، تتلذذ بعذاب المحب ، وتتمتع برؤيةِ احتراقه ودون أن تقصد ذلك ..
هكذا بدأ ابن زيدون يشعر ببرود لهفة الأميرة المحبة نحوه ، ويتعجب بينه وبين نفسه ويسألها " أهذه ولادة التى كانت تبكى على صدرى لوعة وعشقاً حينما نتباعد ولو لأيام قليلة .. لماذا لم تزورنى فى سجنى .. لماذا لم تحاول أن تطلب من كبراء القوم أن يطلبوا من القاضى ابن جهور أن يفرج عنى ويطلق سراحى .. ألا تدرى ما أنا فيه من هوان وضياع ، وأنا أعيش مع اللصوص والقتلة .. لا أعرف ما الذى يجرى من حولى ، فقد فقدت ثقتى فى كل من حولى .. حتى ولا .. " .. وعجز عن نطق اسمها ، وهكذا كانت تحدثه نفسه .. ومرت الأيام والأسابيع والشهور إلى أن مات القاضى الشيخ بن جهور ، وتولى ابنه السلطة ، وهو الصديق الصدوق للوزير ابن زيدون .. وفى غضون أيام قليلة ، خرج الوزير العاشق من سجنه واسترد نفسه ، وعادت له حياته التى أفتقدها ، وعاد يلتقى بحبيبته التى غاب عنها ، وغابت عنه ..
وتم لقاء المحبين بعد طول غياب وعذاب .. وراح كل منهما ينهل من معين الحب الذى كاد أن ينضب بعد شهور البعاد والعذاب .. وأخذت الأميرة المحبة تبكى بحرقة من نشوة الحب ، وذكريات الألم .. ومع كل دمعة تسقط على وجهها الوردى الناعم من عيناها السوداوان ، وخصلات الشعر تتدلى على جبينها الأبيض ، كانت تتلاشى معها ظنون السوء فى قلب المحب ، وتتبدل الوحشة والعتاب فى صدره إلى حب جارف يتملك قلبه .. وراح المحبان يقضيا معاً أحلى اللحظات وأجمل الساعات ، يختلساها من قلب الزمان ، بعيداً طمع الحاقدين وأعين الحاسدين .. وابتسمت الحياة بكل اتساعها ورحابتها للمحبين ، فاشرقت شموس البهجة فى نهار الأيام ، وأطلت النجوم والكواكب تتألق فى أمسياتها .. وتصرف المحبان كلً على سجيته ، دون حذر أو إحساس بغدر .. ولسان حالهما يقول .. " .. ممن يكون الحذر ، وممن يكون الغدر .. فلا أحد بيننا سوانا .. نحب كيفما نحب ، ونعيش حياتنا كما نريد أن نعيشها .. " .. وراح الزمان يقول :

" .. جاداك الغيث إذا الغيث همى .. يا زمان الوصل بالأندلس .. لم يكن وصلك إلا حلماً فى الكرى ، أو خلسة المختلس .. " ..... وتبقـــى للقصة نهاية .... ( تابع الجزء الأخير ) ... حسن عصام الدين طلبة

الاثنين، 18 سبتمبر 2017

الأميرة العاشقة .. ( قصة قصيرة ) .. ( 2 ) ... بقلم الكاتب / حسن عصام الدين طلبة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏


الأميرة العاشقة .. ( قصة قصيرة ) .. ( 2 )
لازال الضيوف يتحدثون فى استراحة الأمسية الشعرية الجميلة ، وراحت الأميرة تقول للشاعر الشاب وقد لامست شفتاها بسمة جميلة : أحسنت يا ابن زيدون .. فما أجمل شعرك .... بهت الشاعر الشاب ، وهو يرى البدر يطالعه ويتحدث إليه ، وكأنها ليلة القدر ، ثم تابعت فقالت : لا يزال شعرك هو الأرغب للمحبين فى الأندلس .... فسألها : وهل أنت منهم أيتها الأميرة .... فقالت : ويحك يا ابن زيدون ، فأنا أميرتهم التى لا تبارى ..
تتابعت الأمسيات والأميرة والوزير يلتقيا فيها ، واشتعل الحب الصامت فى قلبيهما مع كل قصيدة فى الحب يكتبها ، فقالت له وهى تقف إلى جواره تحدثه وقد اتسعت مقلتيها وتألقت فى ردائها الفاتن وكأنها النجوم تتلألأ فى قلب السماء : .. تحدثت عن العشق والعاشقين وكنت أنت الفريد فى النبوغ بين الشعراء الليلة ، ولكنى أرى فى حديثك معى ، وكأنك تحذر من شىء .. تـُرى ما الذى تحذره منى يا فارس الشعر المغوار .. ؟ !! .... فقال :
لم يُنجني منكَ ما استشعرْتُ من حَذَرٍ؛ * هيهاتَ كيدُ الهوَى يستهلِكُ الحذرَا
ما كانَ حبُّكَ إلاّ فتنة ً قدرَتْ ؛ * هلْ يستطيعُ الفتى أن يدفعَ القدرَا ؟
أراك تحدثنى وكأنك قد وقعت فى حبى .. أيحب المرء من ليلة ٍ .... " ليست ليلة واحدة ولكن واحدة منها تكفى .. أتستغربى أن يحب الفتى فى ليلة ، وقد يموت فى لحظة .. " .... ردت عليه باسمة : يموت فى لحظة .. آآه .. لعله الموت حباً .... ابتسم الوزير بن زيدون ، فقدمت له عقد من الياسمن كانت تلفه بمعصمها ، فأخذه وارتجل يقول :
ورامشة ٍ يشفي العليلَ نسيمُهَا *** مضمَّخة ُ الأنفاسِ ، طيّبة ُ النّشْرِ
إذا هوَ أهدَى الياسمينَ بكفّهِ *** أخَذْتُ النّجومَ الزُّهرَ من راحة البدرِ
فقالت له بصوت خافت .. سأرسل لك غدا لألتقيك فى القصر ، فمازال للحديث معك بقية .. !!
فى مساء اليوم التالى حضر إبن زيدون فى الموعد الذى حددته له ولادة .. وبعد جلوسه فى ركن هادئ فى القصر يطل على حديقته الغناء ، وبعد وقت يسير جاءته فى ردائها الجميل المحتشم وراحت ترحب به والابتسامة لا تفارقها .. واخذ الحبيبان يناجى كل منهما الآخر بعينيه وقلبه فى آن واحد ، من دون أن ينطقا ببنت شفة ، ثم باغتته تسأله : .. لمن كتبت قصيدتك الأخيرة .. ؟ .... لك وحدك يا أميرة القلب .. لك وحدك .... لمعت عيناها ببريق حب متقد وقالت له بصوت رخيم خافت : إن كنت تحبنى فأنا احذرك من حبى يا ابن زيدون .... سادت لحظات من الصمت ثم تابعت قائلة : أحذرك منى ، ومن نفسى .. فلى شروط إن قبلتها فلن تمل من حبى أبدا .... فأنا لا اقبل فى حبك شريكة .. ولا اقبل منك بى استهانة .. ولن أسامحك إن تقول عنى نقيصة .. فإن اقترفت واحدة منها فلن اغفرها لك أبدا .... فقال : حاشا لله فى أن أزل فى أى منها يا أميرة القلب والروح .. فراحت تنشده بكل جوارحها :
أغار عليك من نفسى ومنى ** ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أنى خبأتك فى عيونى ** إلى يوم القيامة ما كفانى
عاش بن زيدون أياما سعيدة مع أميرة حبه ولادة وقد أفصح كلاهما للآخر بجام حبة ولوعة الفراق والانتظار حتى اللقاء التالى الذى يجمعهما معاً .. بل راحت تطلب لقائه حينما طل خياله بها ذات ليلة ، فراحت تستعجله بلقاء يجمعهما فى حديقة من حدائق حى الرصافة سرا ومن دون أن يدرى بهما أحداً ، فكتبت تدعوه :
ترقب إذا جـــــن الظـــلام زيارتي * فإني رأيت الليــل أكتــم للســر
وبي منك ما لو كان للبدر ما بدا * وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر.
ترقب ابن زيدون وصول الأميرة فى الحديقة المنعزلة بالرصافة ، فأقبل موكبها الصغير وقد توقف عند حافة الحديقة وراح ينتظر ، بينما سارت الأميرة المتخفية بالوشاح يغطى رأسها فلما التقته امتدت يداهما فى لهفة وشوق ، وكشفت عن رأسها وارتمت على صدره ، ثم جلسا متجاورين فى ضوء القمر ، وراحت تنحنى برأسها خجلاً بعد أن ارتمت فى أحضانه منذ لحظات ، ودار حديث الحب بينهما كأحسن ما يتمناه المحبين .. ومرت الدقائق والساعات ، وهما يتبادلا الحديث تارة ، ويتعانقا تارة ، ويلثم كلاهما من رضاب الحب مرات ومرات .. حتى استفاقا على شعاعات الشمس الأولى وهى تضرب فى السماء فوقفت من جلستها لتودعه فقال لها :
ودع الصبر محب ودعك ** ذائع من سره ما استودعك..
يا أخا البدر سناء وسنا ** حفظ الله زمانا أطلعك ..
إن يطل بعدك ليلي فلكم ** بت أشكو قصر الليل معك ..
وهام بها ابن زيدون وملكت عليه قلبه وتعلقت هي به وأحبته بعمق وجهرت بعشقها له إذا غاب عنها .. وغار غريمه الشاعر ابن عمار بن عبدوس ، فأوشى للحاكم قاضى البلاد عن تآمر ابن زيدون مع عدو الملكة العاضد حاكم أشبيلية ، مستغلاً العلاقة الطيبة التى كانت تجمع الوزير ابن زيدون مع حاكم أشبيلية من قبل أن يكون وزيراً فى قرطبة .. وتكاثر الواشون حتى تملكت الغيرة من قلب القاضى ابن جهور حاكم المملكة ..
تحرك العسكر وحاصروا قصر الوزير ابن زيدون ، واقتيد إلى غيابات السجن ظلماً ، وجوراً بفعل الحاسدون الواشون بعد أن انتشر خبر حب الأميرة ولادة له دون غيره من المحبين العاشقين فى كل أنحاء بلاد الأندلس .. وراح يتوسط له رجال الدولة الشرفاء عند حاكم المدينة من دون جدوى ومرت الأيام والأسابيع والشهور وقلب ولادة عليه يحترق فكتبت تقول
ألا هل لنا بعد التفرق سبيل فيشكو كل صب بما لقي ..
وقد كنت أوقات التزاور في الشتا أبيت علي جمر من الشوق محرق ..
فكيف وقد أمسيت في حال قطعه لقد عجل المقدور ماكنت أتقي ..
تمر الليالي لا أرى البين ينقضي ولا الصبر من رق التشوق معتقي ..

وللقصة بقية ... ( تابع المنشور التالى ) .... حسن عصام الدين طلبة

الثلاثاء، 12 سبتمبر 2017

الأمير والملكة ... الجزء الأخير ... بقلم الأديب / حسن عصام الدين طلبة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏شخص أو أكثر‏، و‏أشخاص يجلسون‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏5‏ أشخاص‏، و‏‏منظر داخلي‏‏‏
الأمير والملكة .... قصة قصيرة .. الجزء الأخير
بينما كان الموكب الملكى يخترق شوارع لندن ، راح الأمير ينظر إلى الملكة بطرف عينه من آن لآخر ، بينما الملكة تتعمد عدم النظر إليه كعتاب له على هجرتها فى مخدعها مهما كان المبرر لذلك ، واستغرقت تفكر فيما يجب عليها أن تقوم به من تصرفات حتى لا تشعر أمها أثناء زيارتها لها بأن هناك خلاف بينها وبين زوجها الأمير ..
كان الأمير يتابع تحية الجماهير للموكب الملكى ، بينما الملكة مازالت سارحة فى أفكارها .. وبينما يتجه الأمير بنظره جهة الملكة ، لمح شاباً ممسكاً بمسدس ويتجه به ناحية العربة الملكية ، وهو ينظر إلى الملكة دون غيرها ، فأدرك من فوره نوايا الشاب المتهور ، وما أن ركض الشاب جهة العربة حتى قام الأمير من مقعده ينظر إليه ، فالتفتت الملكة للأمير الواقف مستغربة بينما كانت الطلقات تتجه إلى الملكة ، فالتف الأمير بصدره يحمى الملكة وترك ظهره للمهاجم المتهور فأصابت الطلقات الأمير ، وساد الهرج والمرج فى المكان ، واتجه الناس للقبض على المهاجم ، بينما سارع سائس العربة الملكية يحث الجياد على الركوض مبتعداً بالموكب الملكى عن مكان الهجوم ..
تم السيطرة على الموقف ، وتم الإمساك بالمهاجم المختل عقليا ، وفى القصر الملكى سارع الأطباء بالكشف على الأمير آلبرت فتبين أن الجروح سطحية لعدم كفاءة الطلقات التى اطلقت على الملكة .. بينما راحت الدموع تنهمر على وجه الملكة ..
هدأت الأمور التى احاطت بالحادث ولكنها لم تهدأ بعد بين الملكة والأمير .... نظر الأمير وهو يتعافى إلى الملكة الجالسة إلى جواره تبكى بحرقة ولوعة وقال لها : لما البكاء وقد مضى الحادث بسلام .. نحمد الرب أنه لم يصيبك سوء .. فلماذا البكاء إذن .. ؟
نظرت الملكة إليه وقالت تعاتب نفسها : شاءت الأقدار ألا تفرق بيننا .. فقد وهبتنى السماء وجودك لتنقذ حياتى .. أنا لا أبكى على ما جرى من محاولة قتلى .. ولكن أبكى نفسى وألومها لأننى غضبت منك يوماً على أشياء لا تستحق منا كل هذا العناء .. أنت أثمن وأغلى من أى شىء آخر فى الوجود .... فقال : هونى عليك يا فكتوريا ، فمازالنا نستطيع أن نعوض ما فاتنا ، وما فاتنا يا حبيبتى إلا قليل .... عادت فكتوريا تبكى وهى تقول : وهل أستحق منك أن تضحى بحياتك من أجلى .. آلبرت .... " مهما جرى بيننا ، فأنا مازلت أحبك من كل قلبى .. أحبك .. وحبى لك يجعل حياتك أغلى الف مرة من حياتى " .... يشتد نحيبها وتقول وهى تحتضنه برفق : كم أنا حمقاء لأنى قد أغضبتك يوماً .. سامحنى يا آلبرت .... " سامحتك منذ أن غادرت الغرفة لأول مرة " .. وبعد أن نام الأمير راحت تكتب فى ركن من الغرفة خواطرها فقالت : .. " .. يا هدية السماء ، يا روعة الإحساس وفيض الأمانى .. يا ينابيع الأشواق والأمانى .. يا بديع المعانى والمشاعر يا هدير مطر السحابات المثقلات ، يا أقواس الطيف تلمع فى كبد السماء .. يا ربيعاً حل فى حياتى ، فيه تجاب أحلام المحبين حين الدعاء .. أحبك كلمات وحروف أزرعها فى حدائق قلبك النابض المعطاء ..

فى الحديقة الملكية بالقصر جلست الملكة إلى جوار الأميرة الملكية العجوز التى ترتاح إلى نصحها تستشيرها فيما جرى فسألتها الأميرة الملكية العجوز : قولى لى أيتها الملكة الجميلة بصراحة .. هل تحبى زوجك الأمير .. ؟ .. " أحبه يا أماه بكل كيانى وروحى " .... فقالت : هل تريه كفء كرجل يفهم فى أمور المملكة .... " فى كل الأمور التى يتولاها يحسن تدبيرها " .... فقالت للمكلة : إذن اعلمى يا مليكتى أننا لا نعيش فى هذه الحياة وحدنا .. إن لنا شركاء يعيشوا معنا فيها .. واهم هؤلاء الشركاء هم الأناس المخلصون الذين نحبهم ولا نستطيع أن نستغنى عنهم .. فكيف إن كانوا جديرين بتلك المشاركة .... نظرت الملكة إلى الأميرة العجوز وأدركت ما تريد أن تقوله ، وسرحت بخيالها وهى تنظر إلى السماء الزرقاء الصافية ، والشمس المشرقة التى منحتها الدفء وراحة النفس فى ذلك البستان الأخضر الجميل وراحت تستلهم من السماء خطوط المستقبل ..
عاد الأمير آلبرت إلى غرفة الزوجية وراحت الملكة تحدثه حديث من القلب فقالت تسأله : حبيبى ألبرت .. ماذا تعتقد فى زواجى منك .. هل هو وسيلة أم غاية .. ؟ .... " قولى لى يا عزيزتى ماذا تقصدين " .... فقالت : لم يكن زواجى منك إلا وسيلة .. وسيلة نستطيع معها وبها أن نعيش حياتنا كما نتمناها .. الزواج منك وسيلة لى كى أعيش حياتى إلى جوارك فى سعادة .. تلك السعادة ليست فقط فراش يجمعنا .. ولكنها تلك الحياة التى تموج بتقلبات الدهر بحلوها ومرها .. لنستطيع أن نستمتع بكل ما هو حلو فيها ، ونتجاوز صعاب منغصات تلك الحياه ، يحمينا منها هذا الحب الذى يجمعنا يا آلبرت ..

وسرعان ما صدر المرسوم الملكى بالسماح للأمير بممارسة شئون المملكة إلى جوار زوجته الملكة ، وأصبحت تستشيرة وتطمئن له فى مشاركتها لمسئوليات الحكم .. وعاش الزوجان لينجبا تسعة أولاد من الصبية والفتيات ، كانوا فيما بعد ملوك وأمراء هذا العالم الصغير الذى يعيشون فيه .... (( انتهت )) .... حسن عصام الدين طلبة

{{ سجال بعنوان الهجر }} ...بين الشاعر / إيهاب طه و الشاعرة / سماح نبيل

  {{ سجال  بعنوان الهجر }}  ...بين الشاعر /  إيهاب طه  و الشاعرة /  سماح نبيل   و الذي أقيم بمجلة نبض القلوب الالكترونية مساء يو...