قصة قصيرة بقلم محمد على عاشور
البقايا
قال لها و هى ما زالت جالسة
على سجادة الصلاة تختم صلاتها : سوف ننتقل غدا إلى منزلك الجديد يا أمى .
نظرت إليه مبتسمة ، و واصلت
تسبيحها ، ثم رفعت يديها إلى السماء تدعو فى سرها ، ثم مسحت بيديها على وجهها
حامدة الله ، و قامت فى تؤدة و جلست بجوار ابنها و هى تبتسم دون أن تتكلم .
يا أمى لم لا تردين ؟
قالت و مازالت الابتسامة لا
تفارق وجهها : كيف اترك أباك و أمشى .
: يا أمى أبى مات .
نظرت إليه و عيناها تدور فى
المكان:
هل تعلم كم عدد أحجار هذا
البيت ؟! لقد حملت هذه الاحجار على رأسى حجرا حجرا، أتعرف ماذا كان يفعل والدك فى
كل مرة أحمل فيها الحجارة ؟ كان يقبل رأسى قبل أن أحملها و بعد أن أضعها.
صمتت و ماذالت عيناها تدور فى
المكان و أخذت تشير بإصبعها و لا تتكلم .
ظل يتابع قسمات وجهها الهادئة
و هى تدور بعينيها فى المكان و السعادة تخرج من وجهها : أتعرف كيف ادخلني أبوك
البيت ؟! لقد حملنى على كتفه كطفل صغير و دار. بى فى كل أرجاء البيت . أتعرف ؟ لقد
ولدت انت فى هذه الغرفة ، و أخوك و أختك ولدا فى الغرفة الشتوية ، كنت أنت الكبير
، كان سعيدا بك ، لقد حملت فيك بعد أن انتقلنا هنا ، كنا أول الناس الذين يسكنون
هنا ، و كنت أول طفل يولد هنا ، كان أبوك يحضر إليك الفاكهة و يدعك تأكل منها حتى
تشبع ثم نأكل ما عبثت به و لم تأكله ، كان يحملك و يدور بك فى كل مكان .
يحاول قبض غيظه : يا أمى
انتقلى معى و تعالى زورى البيت كلما شئت.
ابتسمت : و اترك أباك و اخوتك
و اتركك.
: يا أمى أنا معك و إخوتى أيضا.
قالت له وهى تبتسم ، إن أباك
معى و أنت و إخوتك أيضا ، هل تعتقد أنى لا أعلم أن أباك مات ، إنه معى دائما، لقد
قبل رأسى بعدد أحجار البيت ، إن كل حجر منهم كان يساوى قبلة ، هل رأيت هذا الثمن
من قبل ؟
وقف فى هدوء و قبل يديها و
رأسها و قال : إنى قادم غدا لأصحبك إلى بيتك الجديد .
و بدأ ينصرف ناحية الباب .
نادت عليه ، فعاد مسرعا و قد
جلس عند رجليها .
: سأريك شيئا لم تره من قبل. .
قامت و اتجهت إلى خزانة
ملابسها ، و أخرجت حقيبة يد صغيرة قديمة ، و قامت بفتحها و شمها و أغمضت. عينيها ،
ثم قال له : أنظر إلى هذه البقايا ،..... هذا التراب قمت بجمعه من البيت بعد وفاة
والدك ، هذا التراب فيه من قدم والدك ....، من الأماكن التى كان يمشى فيها...... و
يجلس فيها .....، و ينام فيها ، أنثرها على الأرض كل مدة ، ثم اجمعها و أضعها فى
الصرة ثم فى الحقيبة ، ......هذا البيت ليس بيتا ،.... أنه حياة ، عشتها معه و
معكم .
نظر إليها و هو يبتسم : أمى
سوف أتى غدا لأصحبك.
نظرت إليه و هى تبتسم و لم
تتكلم.
فى اليوم الثانى جاء و دخل
عليها و هى تصلى ، انتظر حتى أنهت صلاتها ، و قال لها : هيا يا أمى كى نذهب .
نظرت إليه وهى تبتسم ولم تتكلم
.
أخذ يفتح خزانة ملابسها ، و
يضعها فى حقيبة كبيرة و هى تتابعه و تبتسم وتنظر داخل الخزانة إلى الحقيبة التى
بها البقايا.
جمع كل الملابس ، تاركا حقيبة
البقايا التى تعلقت عيناها بها ثم قال : سوف أذهب لأضع الأشياء بالسيارة و أعود
لأصحبك .
حمل الحقيبة و خرج ، و بعد
قليل عاد ، و جدها عند الخزانة تحضن البقايا .
وجد عينها تنظر آلية دون حراك
و البسمة لا تزال فى شفتيها ، ضمها إلى صدره بشدة و هو يقول: سامحينى يا أمى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق