الثلاثاء، 6 فبراير 2018

{{ الصورة رمز التجسيد وانزياح التجريد }} ..... بقلم الأستاذ / سرحان الركابي

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏منظر داخلي‏‏

الصورة رمز التجسيد وانزياح التجريد
ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء
. الصورة هي جانب من الابتكارات التي توصلت إليها الإنسانية للحصول على شكل متماثل لشيء معين , كأن يكون جسما ماديا أو شخصا أو منظرا طبيعيا أو غيره من أشكال وموجودات الطبيعة ,
. وفي اللغة الانجليزية image المشتقة من اللاتينية imago تشير هذه المفردة إلى الأجسام ذات البعدين مثل الصورة الفوتوغرافية او صورة الشاشة المتلفزة , كما تدل على الأشكال المجسمة كالتماثيل والمنحوتات وغيرها
. وفي اللغة العربية تتضمن مفردة الصورة المشتقة من الفعل صور بعدين دلاليين , الأول , أن صور الشيء لا تعطي معنى النقل الحرفي للشيء المصور خاصة إذا ما علمنا أن صور أو تصور تشير إلى نشاط ذهني غايته الإلمام بأطراف ومعالم شيء ما غائب عن الحس , وان تصور الشيئ ما هو إلا تقريب لملامح غائبة ورسم لحدود متمردة على التصور والإدراك الحسي في سبيل وضعها ضمن نطاق ذهني محدد له معالم وحدود واضحة كي يمكن الإمساك به وتخليه بالهيئة التي تقترب بشكل جزئي أو كلي من ملامح وسمات الشيء الذي نتصوره أو نتخيله
الثاني . ان شيوع استعمال المفردة ( صورة ) قد احدث نوعا من الانزياح الدلالي لمضمونها وباتت تعني النقل الحرفي لأبعاد الشيء في صورته وحقيقته الواقعية ,
. وفي كل الأحوال لا تخرج الصورة عن كونها تمثل لحظة مجتزئة من حدث ما له قابلية الاستمرار في الزمن , لان زمن الصورة يعد ساكنا ومتوقفا عند نقطة ثابتة لا تمثل سوى حركة يسيرة من الحدث والزمن المتحرك والمنفلت مع انفلات الزمان وأبديته
. من هنا تأتي النظرة إلى الصورة لا باعتبارها تلك الإيقونة المتجسدة في خطوط وظلال تشير إلى شيء محدود , بل باعتبارها ترمز إلى شيء اكبر اتساعا وأكثر حيوية وحركة من ذلك الزمن المتوقف والمحصور في مساحة محددة ومحاطة بإطارات تمثل نوعا من الجدران العازلة بين ما هو حي وواقعي ومتحرك وبين خطوط وظلال وتدرجات لونية تحاول أن تحاكي ذلك الأصل المبثوث في ارض الواقع
. من الواضح أننا أمام حالة ذهنية وسايكلوجية متمركزة في الطبيعة البشرية ذاتها , ذلك أن العقل البشري بطبيعته عقل تجسيدي وغالبا ما ينفر من كل ما هو تجريدي وخارج عن الحس , وهو محكوم دائما بتلك الحواس التي تمثل مجسات لاقطة تستطيع أن تتعامل مع الموضوعات والآراء والمفاهيم بالشكل الذي يتناسب ومعايير العقل ومنطقه الخاص , وما لم تتمثل الأشياء والموضوعات وتخضع لماديات تلك المجسات لتنتقل فيها الرموز من شكلها التجريدي الصامت والمنفلت من قبضة الإدراك والفهم إلى حيز المعلوم والمتجسد والقابل للإحاطة والاستيعاب كي تخرج الرموز والخطوط والظلال من فضاءها المحدود والمجهول إلى شكل وإطار أوسع يشير إلى ما هو كائن خلف تلك الرموز والخطوط والى ما هو متمثل بشكله التجسيدي والملموس على ارض الواقع
. من هنا فقد تعامل العقل البشري مع الصورة ومنذ بواكير وعيه باعتبارها رمزا يشير أولا إلى الأشياء والموضوعات والكائنات التي يتعامل معها , وثانيا . باعتبارها رمز يمكن استحضاره والتعامل معه كشكل بديل لما هو اكبر وأكثر اتساعا من كل ما هو محدود , لذلك كانت الشعوب البدائية لا تتقبل فكرة الإله الغائب عن الحس فهذا الإله بسماته التجريدية غير قادر على التجذر في عقول وضمائر المؤمنين به ولابد من استحضاره إلى عالم الحس والإدراك , إلى عالم الواقع الحي والمعاش , ولهذا حلت الصورة أو التمثال كبديل عن الإله الغائب وقد حلت كرمز لهذا الإله لكي يسهل التعامل معه وكي يكون حاضرا ومتجسدا أمام الحواس والذهب البشري البدائي
سرحان الركابي

5 - 2 - 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

{{ سجال بعنوان الهجر }} ...بين الشاعر / إيهاب طه و الشاعرة / سماح نبيل

  {{ سجال  بعنوان الهجر }}  ...بين الشاعر /  إيهاب طه  و الشاعرة /  سماح نبيل   و الذي أقيم بمجلة نبض القلوب الالكترونية مساء يو...