فداك ياقدس
قصة قصيرة بقلم محمد على عاشور
زفاف
لأول مرة يحضر زفاف أحد أصدقائه ، وهو يزف
محمولا فوق الأعناق ، دموع والدة العريس لا تتوقف ، لقد شاهد أعراساً كثيرة لكن
هذا لأول صديق .
الأسلحة النارية ترفع في الهواء من قبل من
يملكها من أصدقائه وغير أصدقائه ، من يعرفه ومن لا يعرفه ، الرصاصات تنطلق ، تشق
الهواء وتصم الآذان ، ورائحة البارود تجعل الأدمغة تغلي .
الجميع يتزاحمون ليحملوا العريس ، لكن لن
يستطيع أحد أن يحرك حامليه ويجعلهم يتركون أماكنهم.
المشوار طويل ، والعروس تنتظر ، وتعرف أنه لن
يكون الزفاف الأخير ، فسيعقبه زفاف وزفاف ، ثم زفاف وزفاف وهكذا .
الأكتاف المتدافعة نحته بعيداً عن صديقه ،
لقد فرق بينهما العرس ، أقسم في هذه اللحظة أن العرس كما فرقهما لابد أن يجمعهما
عرس آخر .
عاد إلى بيته وظل جالسا طوال الليل ، وقبل أن
يأوي لفراشه شاهد العرس في التلفاز ، لكنه لم ير نفسه في الموجودين فيبدو أنه
ابتعد عن الصورة .
فكر في ليلته كيف يكون عريساً ؟، لكن لن يسمح
له والده بذلك فهو مازال صغيرا.
جلس مع عائلته على الفطور ، الجميع صامتون
وهم يتناولون لقيماتهم القليلة ، والده يدعي الطعام حتى يأكل أولاده وكذلك الأم،
بين الفينة والفينة تلتقي الأعين وترتد فورا على المائدة .
هو الوحيد الذي لا ترتد عيناه إلى المائدة
فقد أخذ يتصفح وجوه الجميع ، والدته ذات القسمات الطيبة ، التي لا تتكلم إلا قليلا
، ووالده برغم قسوة ملامحه، واقتضاب جبينه، وحدته أحيانا ، إلا أنه يعرف أنه طيب
القلب ، واخوته .....، لم يترك أحداً إلا تفحصه ، وقد أخذ يفكر .. ما وقع الخبر
على مسامعهم ؟! لا يهم ، فقد تدبر الأمر .
خرج متجها إلى مكان اللقاء، لا يملك سوى أجرة
ذهابه ، نظر إلى البيت ، من بعيد، ثم سار ، ثم أخذ يلتفت وهو سائر ليرى والدته تقف
أمام البيت فيلوح لها وهو سائر بظهره فتلوح له وهي تبتسم .
أخذ يركل بعض قطع الحجارة بقدمه ، أعجبته
إحداها فقد كان شكلها واستدارتها مثل حبة " المانجو " فأخذها وهو يقلبها
في يديه.
وجد أقرانه يتوارون ويترقبون ، " هل
سيكون بينكم عريس قبلي ؟! لا .. لن يحدث هذا " !
هكذا قال في نفسه وهو يقترب ثم فرد ذراعه عن
أخرها في الهواء ثم انحنى إلى الجنب واندفع إلى الأمام بنصف جسده العلوي كأمهر
رامِ .
لم يعد أحد في عينيه ،لقد فعل ما كان يريده
ويعلم أن والده سيفخر به في كل الأيام، كما ستفخر به العروس .
حمله أصدقاؤه على الأعناق ، الأعيرة النارية
تنطلق ، الزفاف يتحرك إلى إقامته الجديدة ، ووالدته تبكي، ووجد من زف قبله
ينتظرونه في ملابسهم البيضاء وقد بشت وجوههم ، انزلوه من على أكتافهم، ثم ادخلوه
في مكان إقامته الجديد الذي كتب عليه من الناحية الأخرى الشهيد .....!
بقلم /محمد علي عاشور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق