الاثنين، 18 سبتمبر 2017

الأميرة العاشقة .. ( قصة قصيرة ) .. ( 2 ) ... بقلم الكاتب / حسن عصام الدين طلبة

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏


الأميرة العاشقة .. ( قصة قصيرة ) .. ( 2 )
لازال الضيوف يتحدثون فى استراحة الأمسية الشعرية الجميلة ، وراحت الأميرة تقول للشاعر الشاب وقد لامست شفتاها بسمة جميلة : أحسنت يا ابن زيدون .. فما أجمل شعرك .... بهت الشاعر الشاب ، وهو يرى البدر يطالعه ويتحدث إليه ، وكأنها ليلة القدر ، ثم تابعت فقالت : لا يزال شعرك هو الأرغب للمحبين فى الأندلس .... فسألها : وهل أنت منهم أيتها الأميرة .... فقالت : ويحك يا ابن زيدون ، فأنا أميرتهم التى لا تبارى ..
تتابعت الأمسيات والأميرة والوزير يلتقيا فيها ، واشتعل الحب الصامت فى قلبيهما مع كل قصيدة فى الحب يكتبها ، فقالت له وهى تقف إلى جواره تحدثه وقد اتسعت مقلتيها وتألقت فى ردائها الفاتن وكأنها النجوم تتلألأ فى قلب السماء : .. تحدثت عن العشق والعاشقين وكنت أنت الفريد فى النبوغ بين الشعراء الليلة ، ولكنى أرى فى حديثك معى ، وكأنك تحذر من شىء .. تـُرى ما الذى تحذره منى يا فارس الشعر المغوار .. ؟ !! .... فقال :
لم يُنجني منكَ ما استشعرْتُ من حَذَرٍ؛ * هيهاتَ كيدُ الهوَى يستهلِكُ الحذرَا
ما كانَ حبُّكَ إلاّ فتنة ً قدرَتْ ؛ * هلْ يستطيعُ الفتى أن يدفعَ القدرَا ؟
أراك تحدثنى وكأنك قد وقعت فى حبى .. أيحب المرء من ليلة ٍ .... " ليست ليلة واحدة ولكن واحدة منها تكفى .. أتستغربى أن يحب الفتى فى ليلة ، وقد يموت فى لحظة .. " .... ردت عليه باسمة : يموت فى لحظة .. آآه .. لعله الموت حباً .... ابتسم الوزير بن زيدون ، فقدمت له عقد من الياسمن كانت تلفه بمعصمها ، فأخذه وارتجل يقول :
ورامشة ٍ يشفي العليلَ نسيمُهَا *** مضمَّخة ُ الأنفاسِ ، طيّبة ُ النّشْرِ
إذا هوَ أهدَى الياسمينَ بكفّهِ *** أخَذْتُ النّجومَ الزُّهرَ من راحة البدرِ
فقالت له بصوت خافت .. سأرسل لك غدا لألتقيك فى القصر ، فمازال للحديث معك بقية .. !!
فى مساء اليوم التالى حضر إبن زيدون فى الموعد الذى حددته له ولادة .. وبعد جلوسه فى ركن هادئ فى القصر يطل على حديقته الغناء ، وبعد وقت يسير جاءته فى ردائها الجميل المحتشم وراحت ترحب به والابتسامة لا تفارقها .. واخذ الحبيبان يناجى كل منهما الآخر بعينيه وقلبه فى آن واحد ، من دون أن ينطقا ببنت شفة ، ثم باغتته تسأله : .. لمن كتبت قصيدتك الأخيرة .. ؟ .... لك وحدك يا أميرة القلب .. لك وحدك .... لمعت عيناها ببريق حب متقد وقالت له بصوت رخيم خافت : إن كنت تحبنى فأنا احذرك من حبى يا ابن زيدون .... سادت لحظات من الصمت ثم تابعت قائلة : أحذرك منى ، ومن نفسى .. فلى شروط إن قبلتها فلن تمل من حبى أبدا .... فأنا لا اقبل فى حبك شريكة .. ولا اقبل منك بى استهانة .. ولن أسامحك إن تقول عنى نقيصة .. فإن اقترفت واحدة منها فلن اغفرها لك أبدا .... فقال : حاشا لله فى أن أزل فى أى منها يا أميرة القلب والروح .. فراحت تنشده بكل جوارحها :
أغار عليك من نفسى ومنى ** ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أنى خبأتك فى عيونى ** إلى يوم القيامة ما كفانى
عاش بن زيدون أياما سعيدة مع أميرة حبه ولادة وقد أفصح كلاهما للآخر بجام حبة ولوعة الفراق والانتظار حتى اللقاء التالى الذى يجمعهما معاً .. بل راحت تطلب لقائه حينما طل خياله بها ذات ليلة ، فراحت تستعجله بلقاء يجمعهما فى حديقة من حدائق حى الرصافة سرا ومن دون أن يدرى بهما أحداً ، فكتبت تدعوه :
ترقب إذا جـــــن الظـــلام زيارتي * فإني رأيت الليــل أكتــم للســر
وبي منك ما لو كان للبدر ما بدا * وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر.
ترقب ابن زيدون وصول الأميرة فى الحديقة المنعزلة بالرصافة ، فأقبل موكبها الصغير وقد توقف عند حافة الحديقة وراح ينتظر ، بينما سارت الأميرة المتخفية بالوشاح يغطى رأسها فلما التقته امتدت يداهما فى لهفة وشوق ، وكشفت عن رأسها وارتمت على صدره ، ثم جلسا متجاورين فى ضوء القمر ، وراحت تنحنى برأسها خجلاً بعد أن ارتمت فى أحضانه منذ لحظات ، ودار حديث الحب بينهما كأحسن ما يتمناه المحبين .. ومرت الدقائق والساعات ، وهما يتبادلا الحديث تارة ، ويتعانقا تارة ، ويلثم كلاهما من رضاب الحب مرات ومرات .. حتى استفاقا على شعاعات الشمس الأولى وهى تضرب فى السماء فوقفت من جلستها لتودعه فقال لها :
ودع الصبر محب ودعك ** ذائع من سره ما استودعك..
يا أخا البدر سناء وسنا ** حفظ الله زمانا أطلعك ..
إن يطل بعدك ليلي فلكم ** بت أشكو قصر الليل معك ..
وهام بها ابن زيدون وملكت عليه قلبه وتعلقت هي به وأحبته بعمق وجهرت بعشقها له إذا غاب عنها .. وغار غريمه الشاعر ابن عمار بن عبدوس ، فأوشى للحاكم قاضى البلاد عن تآمر ابن زيدون مع عدو الملكة العاضد حاكم أشبيلية ، مستغلاً العلاقة الطيبة التى كانت تجمع الوزير ابن زيدون مع حاكم أشبيلية من قبل أن يكون وزيراً فى قرطبة .. وتكاثر الواشون حتى تملكت الغيرة من قلب القاضى ابن جهور حاكم المملكة ..
تحرك العسكر وحاصروا قصر الوزير ابن زيدون ، واقتيد إلى غيابات السجن ظلماً ، وجوراً بفعل الحاسدون الواشون بعد أن انتشر خبر حب الأميرة ولادة له دون غيره من المحبين العاشقين فى كل أنحاء بلاد الأندلس .. وراح يتوسط له رجال الدولة الشرفاء عند حاكم المدينة من دون جدوى ومرت الأيام والأسابيع والشهور وقلب ولادة عليه يحترق فكتبت تقول
ألا هل لنا بعد التفرق سبيل فيشكو كل صب بما لقي ..
وقد كنت أوقات التزاور في الشتا أبيت علي جمر من الشوق محرق ..
فكيف وقد أمسيت في حال قطعه لقد عجل المقدور ماكنت أتقي ..
تمر الليالي لا أرى البين ينقضي ولا الصبر من رق التشوق معتقي ..

وللقصة بقية ... ( تابع المنشور التالى ) .... حسن عصام الدين طلبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

{{ سجال بعنوان الهجر }} ...بين الشاعر / إيهاب طه و الشاعرة / سماح نبيل

  {{ سجال  بعنوان الهجر }}  ...بين الشاعر /  إيهاب طه  و الشاعرة /  سماح نبيل   و الذي أقيم بمجلة نبض القلوب الالكترونية مساء يو...