مَنْ يملك حق
التحليل والتحريم
بقلم / محمد سعيد
ابوالنصر
1- التحليل والتحريم
حق الله وحده .
الله وحده له الخلق
والأمر قال الله تعالى: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ﴾ [ سورة الأعراف: 54] فلا خالق إلَّا الله ،ولا مدبر لشئون العالم
العلوي والسفلي إلَّا هو، قال الله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ
فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 10] أي وما اختلفتم فيه أيها المؤمنون من شيء
من أمر الدنيا أو الدين ، فالحكم فيه إلى الله جل وعلا فالله وحده هو الذي يوجب
الشيء ويحرمه إمَّا في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ،ولقد أنكر
الله على مَنْ يحللون ويحرمون بأهوائهم فقال تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا
أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا
قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ
الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ
لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)} [يونس:
59، 60] وقوله{ قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ }أي قل
لهم يا محمد أخبروني : هل حَصَل لكم إذن من الله بالتحليل والتحريم ، فأنتم فيه
ممتثلون لأمره ، أم هو مجرد افتراء وبهتان على ذي العزة والجلال ؟ {وَمَا ظَنُّ
الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي وما ظن
هؤلاء الذين يتخرصون على الله الكذب ، فيحلون ويحرمون من تلقاء أنفسهم ، أيحسبون
أن الله يصفح عنهم ويغفر لهم يوم القيامة ؟ كلا بل سيصليهم سعيرا ، وهو وعيد شديد
للمفترين{ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ } أي لذو إنعام عظيم على
العباد حيث رحمهم بترك معاجلة العذاب، وبالإنعام عليهم ببعثة الرسل وإنزال الكتب{وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }أي لا يشكرون النعم بل يجحدون ويكفرون.
وقال جل ذكره: { وَلَا
تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ
لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ
الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)}
[النحل: 116، 117]
فقوله{وَلَا تَقُولُوا
لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} أي لا
تقولوا في شأن ما تصفه ألسنتكم من الكذب : هذا حلال وهذا حرام ، من غير دليل! ولا
برهان{لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ }أي لتكذبوا على الله بنسبة ذلك إليه
{إِنَّ الَّذِينَ
يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} أي إن الذين يختلقون الكذبَ
على الله ، لا يفوزون ولا يظفرون بمطلوبهم ، لا في الدنيا ولا في الآخرة
{مَتَاعٌ قَلِيلٌ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }أي انتفاعهم واستمتاعهم في الدنيا قليل لأنه زائل ،
ولهم في الآخرة عذاب مؤلم .
وأنكر الله عز وجل
على قوم اتخذوا من دون الله شركاء في التشريع فقال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ
شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ
الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)}
[الشورى: 21] ولأنَّه سُبْحَانَهُ مُنْعمًا ومتفضلًا "فمِنْ حقه أنْ يحل لهم
وأنْ يحرم عليهم ما يشاء -كما له أنْ يتعبدهم مِن التكاليف والشعائر بما يشاء- وليس
لهم أنْ يعترضوا أو يعصوا، فهذا حق ربوبيته لهم، ومقتضى عبوديتهم له. ولكنه تعالى
رحمة منه بعباده، جعل التحليل والتحريم لعلل معقولة، راجعة لمصلحة البشر أنفسهم،
فلم يحل سُبْحَانَهُ إلَّا طيبًا، ولم يحرم إلَّا خبيثًا"
2- الحلال طيب
والحرام خبيث.
لقد بينت النصوص
القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، ما يحل وما يحرم مِن الأطعمة
والأشربة. وأكّد الحق جل وعلا في كتابه العزيز، حقيقة أزلية خالدة إلى يوم الدين،
مؤداها أنَّ كل طيب حلال، وأنَّ كل حرام خبيث. "وأنَّ الحلال له أثر بالغ على
الإنسان في سلوكه وحياة قلبه واستنارة بصيرته وقبول دعائه ـ وعلى العكس للمطعم
الخبيث أثر سيئ على الإنسان - ولولم يكن من ذلك إلَّا عدم قبول دعائه كما في
الحديث الصحيح لكفى" ولذلك قال الله حاثًا وداعيًا ودافعًا عباده إلى الطيبات
قال تعالى : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّبَاتُ (4)} [المائدة: 4]
وقال آمرًا جميع
البشر بأكل الطيب (الحلال) من الأطعمة، ومنفرًا إياهم من خلاف ذلك:{ يَاأَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)} [المؤمنون: 51]
وقال تعالى محذرًا
المؤمنين من الخبائث، ومنفرًا أصحاب الطبع السليم منها: {قُلْ لَا يَسْتَوِي
الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا
اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)} [المائدة: 100]
وقال سبحانه أَيْضًا:
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ
تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)} [البقرة: 267]
وجمع الله تبارك
وتعالى الأمرين معًا (الترغيب في الطيبات والتنفير من المحرمات)، في جزء مِن آية
واحدة، فبين -سُبْحَانَهُ - بذلك جانبًا من جوانب إعجاز هذا القرآن التي لا تُعدّ
ولا تُحصى، حين قال: { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ
الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ
عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا
النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} [الأعراف:
157]بهذه الكلمات المعجزات، وضع المشرع سبحانه وتعالى للبشرية جمعاء، قانونًا
ثابتًا وميزانًا دقيقًا، يمكّنهم مِن أنْ يَزِنوا به كل المستجدات التي طرأت بعد
زمن الرسول الكريم وحتى قيام الساعة، ليعرفوا طيبها مِن خبيثها، ونافعها مِن
ضارها، فيُقبلوا على الطيبات ويبتعدوا عن الخبائث المحرمات، فأكّد بكل وضوح وجلاء
أنَّ شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان.
3- الحلال كثير
والحرام قليل
الحلال من الطعام
والشراب كثير ، أما الحرام فمحدود ومعدود ، مما يدل على بقاء المتروك على أصله وهو
العفو ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ
يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ ، وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا ، فَبَعَثَ اللَّهُ
تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم ، وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ ، وَأَحَلَّ
حَلَالَهُ ، وَحَرَّمَ حَرَامَهُ ، فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ ، وَمَا حَرَّمَ
فَهُوَ حَرَامٌ ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ ، وَتَلَا {قُلْ لَا أَجِدُ
فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ
مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ
فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ
فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)} [الأنعام: 145] أخرجه أبو داود وابن ماجة .والأصل
في هذا القول وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، ووصف شريعته ، بقوله تعالى : "{
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ
عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ (157)} [الأعراف: 157]
وهذا يتناول جميع الأشياء مِن مطعم ومشرب ، فكل ما ليس بخبيث فهو طيب حلال ، فدخل
فيه أنواع الحبوب والثمار وهي أوسع الأصناف حلًا ، ودخل فيه الحيوانات البحرية
كلها ، ودخل فيه الأنعام الثمانية والخيل ، ودخل فيه الطيور والدجاج والطواويس
ونحوها من حيوان وطير ، إلَّا ما كان خبيثًا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق